أما ضيف اللقاء فهو الدكتور ( محمود السيد) الذي استهل اللقاء بالتعريف به، وبدءاً من مكان ولادته مروراً بالشهادات التي نالها وأولها، الدكتوراه من جامعة عين شمس.. وطرائق تدريس اللغة العربية من جامعتي دمشق والكويت. وهكذا إلى أن تبوأ عدة مناصب، وكوزير للتربية في سورية وأيضاً كعضو للبحوث والدراسات التي قدم الكثير منها، ومما يتعلق بقضايا استعمالات وتدريس هذه اللغة الأم.
حالياً، الدكتور ( محمود السيد) عضو في مجمع اللغة العربية ورئيس لجنة تمكينها. وباحث في كل ما بإمكانه أن يجعلها قادرة على الصمود في وجه المخططات الاستعمارية.
استهداف سورية جزء من استهداف الأمة العربية
هذا ما بدأ به الدكتور السيد بحثه مؤكداً على أن الدور الذي تلعبه المعركة الإعلامية الحالية، هو ما تسعى تلك المخططات الاستعمارية للنفاذ من خلاله، واعتماداً على ما وجد بأنه الأكثر إيلاماً، وهو أن يعمل على تنفيذ ومساندة تلك المؤامرة، أفراد من أبناء الأمة من خلال ابتعادهم عن اللغة العربية وتهافتهم على تعلم سواها ضمن جامعات خاصة منتشرة في الوطن العربي..
أيضاً، يبين الدكتور السيد أن ثمة من يقول بوجود ثلاث شرائح في تراثنا العربي. وهم السابق وهي الشريحة التي تسبق الآباء والأجداد. والساحق أي الشريحة التي تلحق هؤلاء دون أن تقدم شيئاً. والماحق وهم من يمحق ويزيل كل أثرٍ تركه من قبلهم.
وهنا. ورفضاً لما يحصل من انسلاخ الابن أي الحاضر عن «الأب»لماضي، ورداً على دعوات قتل الأب التراث، قام الدكتور السيد بالتذكير، بما قاله الشاعر الرصافي وبما أراد منه القول إن من لاتراث له لاحاضر أو مستقبل أو مجد له:
أرى مستقبل الأيام أولى
بمطمح من يحاول أن يسودا
تقدم أيها العربي شوطاً
فإن أمامك العيش الرغيدا
وهل إن كان حاضرنا شقياً
يسود بماضي من كان سعيدا
وخير الناس ذو حسب قديم
أقام لنفسه حسباً جديدا..
العقلاء هم الذين يرون الأحداث قبل وقوعها..
إنها الحكمة الهندية التي ذكرها السيد مكملاً إياها بأن الحمقى أيضاًَ، هم الذين لايرون الأحداث إلا ساعة وقوعها، أما المجانين فهم الذين لايرونها حتى بعد وقوعها.
يقول هذا.. ليتساءل عن مفهوم التراث.. وليجيب حسب اختصاصه.. بأنه في اللغة مأخوذ عن «ورث فلان» أي انتقل إليه مجد ومال أحدهم..
التراث في المعنى اللغوي يشمل الأمور المادية والمعنوية أما في تراثنا العربي فيتمثل في القطاع المعرفي وقطاع القيم والنظم والمؤسسات والإبداع والصنع.
ويتابع: تراثنا العربي يشمل التراث المعنوي والمادي والقومي، وما هو حاضر فينا من ماضينا ومن ماضي غيرنا وتراثه..
باختصار: وبعد أن أوغل الدكتور السيد في سرد ما يدل على عراقة حضارتنا ولغتنا وفضائلنا، توصلنا معه إلى حقيقة لاشك فيها وهي أن التراث ينتمي إلى الماضي القريب وليس إلى الماضي البعيد فقط، ليذكر بعدها ما قاله الشاعر سليمان العيسى وهو:
وأبعد نحن من مضرٍ وقيسٍ.. نعم أبعد
ومن زيتوننا عيسى.. ومن صحرائنا أحمد
وكنا دائماً نعطي.. وكنا دائماً نُشحد
سمات الحضارة العربية منذ آلاف السنين
ينتقل الدكتور السيد ليعدد ما اتصفت به حضارتنا العربية.. من عراقة.. وشمولية وعقلنة وتوازن وتكامل وإنسانية مايؤكد أن وطننا هو مهد الحضارات وغناها وسيادة عقلها وروحانية إنسانها، الذي قدم نموذجاً منفتحاً على الثقافات الأخرى التي احترم أصحابها وأخذ منها وصاغها بالأسلوب العربي الذي عاد وقدمه للآخرين بأمانة وعقلنة وموضوعية.
التراث العربي في رؤى أجنبية
بعد كل هذا.. كان من الضروري أن يبين الدكتور السيد كيف رأى الغرب تراثنا، ليفعل ذلك فيذكر ما اعتبره المنصفون منهم.. تأثراً بحضارتنا.. وليكون من بعض أمثلته..
تأثر القصاصون الألمان بقصص ألف ليلة وليلة مثلما بكليلة ودمنة.. وأيضاً تأثر الشاعر الإيطالي دانتي في الكوميديا الإلهية بقصة الإسراء والمعراج وبرسالة الغفران للمعري.
شاعر إيطاليا الكبير بترارك ندد ببني قومه لأسبقية العرب عليهم. الملك الإسباني كارلوس يرى أن الحضارة العربية الإسلامية، قدمت للعالم خلال قرون ثمانية عدداً كبيراً من الشخصيات اللامعة في تاريخ البشرية، الشاعر الإسباني أنطونيو غالا وقف أمام أوغاريت وقال: أقف أمام حضرة التاريخ- أنا لولاك يا أوغاريت لم أكن كاتباً.
لم يكتف «السيد» بذكر هؤلاء ليقدم الكثير سواهم ممن أشادوا بحضارتنا وتراثنا ليتوقف بعدها متسائلاً:
كيف ننظر نحن إلى تراثنا.. وماذا نأخذ منه؟
إذا كان الإرث والميراث هو عنوان اختفاء الأب وحلول الابن- فإن التراث في الوعي العربي المعاصر دليل على حضور الأب في الابن- حضور الماضي في الحاضر. التراث يشمل مختلف ميادين المعرفة، ماضي كل الشعوب التي أسلمت وتعربت هو من ماضي هذه الأمة، الشعوب المتطورة تحتمي بروح الماضي وجوهره.. والمتخلفة تتمثل بأشكاله وقوالبه المحنطة.
أما ماذا علينا أن نأخذ من التراث- فقد أجاب عليه السيد بما قاله الدكتور زكي نجيب محمود وهو: نأخذ ما يفيدنا في حياتنا في مجال التطبيق- يؤخذ منه جزأه العاقل المبدع الخلاق والقادر على بعث روحه الفاعلة في حياتنا.
أخيراً: ينهي الدكتور السيد بالقول: تراثنا العربي حي لأنه إنساني في قيمه ومصادره ومناهجه وأخلاقياته- حي لأنه ظل سارياً بين الجماعات متغلغلاً بين النفوس.