الجمهور صامتٌ يترقبُ إزاحة الستار الذي يخفي خلفه ممثلي المشهد الأول وهم ثلاثة: صلاح بدور عنترة، وآمنة بدور زبيبة، وعمر بدور شداد.
يزاح الستار وأثناء تحية الممثلين للجمهور، خطبٌ ما يعتري صلاح يجعله ينهض من انحناءاته قبل زميله عمر ويتجه إلى آمنة التي تجلس أمام باب خيمةٍ تديرُ رحىً بيمينها، ويشعر صلاح أنه شخص آخر في زمنٍ آخر, وفي المكان ذاته وقبل أن تسأله عن سبب غيابه يبادرها هو قائلاً: من أنتِ بحق اللات والعزّى، وما الذي تبغينه من إدارتك لرحىً فارغة؟
تلتفت إليه مصدومةً, فهذا الكلام ليس من النص وتومئ إليه بعينيها إلى الملقن بينما كان المؤلف والمخرج يلطمان خديهما، ويشيرانِ بالسبابة أمام الشفاه بأن سلم نفسك للملقن يا صلاح، وصلاح غير مكترثٍ لوجودهما، يعيد السؤال مرةً أخرى...
وبذكاء المرأة ترتجل آمنة جواباً يُخرج الجميع من هذا المأزق فتقول له: أنا زبيبة يا ولدي.. أنا أمك.. أم شيبوب، ازداد جنون صلاح, وانتضى سيفه وأهوى به على رأسها وهو يصرخ (إن زبيبة لم تكن تدير الرحى فارغة).
أطلق الجمهور دوياً من التصفيق بينما سقطت زبيبة على الخشبة دون حراك والدم ينزف من رأسها، حاولَ عمر أن يمسك بصلاح لكنه لم يمتلك ما يكفي من القوة... أفلت منه وصرخ في وجهه: من أنت أيضاً أيها الصعلوك..؟ قال عمر: أنا شداد.. أبوك وسيدك.
عاجله بضربة من سيفه المعدني وبدأ يصرخ: إذا كان لابد من العبودية فلأن عبداً لمن يستحق أن يكون سيداً.. لالهذا الصعلوك.! أي سيدٍ هذا الذي يجبر أَمةً من إمائهِ على طحن الهواء..؟ ثم التفت إلى الجمهور الذي كان يطلق دويّاً من التصفيق لاعتقاده أن ما يحدث جزءاً من النص.
سألهم: من أنتم... ولماذا تصفقون..؟
أجابوه بصوتٍ واحد: نصفق لأنك قَتلتَ زبيبةَ وشداد.
في تلك الأثناء كان المخرج والمؤلف قد أيقنا أن مسّاً أصاب صلاح، فاعتليا الخشبة واستدعيا كل كادر المسرح من خلف الكواليس وأمسكوا به مستعينين بكثرتهم بينما كان يصرخ: قبحاً لكم... لا أبا لكم... تصفقون لمن قتل أباه وأمه.
(أوصدوا عني باب هذا الجحيم... أوصدوا عني باب هذا الجحيم).
أسدلت الستارة وأخرجوه من المسرح فيما بدأ الجمهور يخرج لاعتقاده أن المسرحية من مشهدٍ واحد وقد انتهت، وأخذوا يتبادلون الآراء والتعليقات عن مدى صدق الممثل في تعامله مع الدور.
شاب في العشرين من عمره قال: إننا أحوج ما نكون لمثل هذا العنترة.
صديقته قالت: بل لشد ما نحتاج إلى تلك الزبيبة التي ينشدها.
رجل في عقده الخامس قال: بل نحن بحاجة لمثل هذا المؤلف.
وبدأ يثني على جرأته في الطرح ولم ينتبه أحد لأصوات سيارة الإسعاف والشرطة.
اقتيد صلاح إلى مشفى للأمراض العقلية, وزبيبة توفيت بينما أُصيب شداد بارتجاج قوي في الدماغ.
أُقفل المسرح لمدة سنةٍ بسبب الإصلاحات، وبعدها عاد المخرج كي يعمل على نصٍ عاطفي مترجم, وحين أُزيحت الستارة أطلق الجمهور دوياً من التصفيق لأنه لاحظ وجود بقعتي دم وسيفٍ سقط عنوةً من يد صاحبه, ورحىً صامتة ساكنة في ركنٍ من أركان المسرح.