تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عندما تنتقم التكنولوجيا لنفسها!!!

لوموند
ترجمة
الاثنين 2-5-2011
ترجمة: سهيلة حمامة

ترتفع الأصوات هنا وهناك بوقعٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍِِ مبالغٍ فيه يجتزئ معه حقائق سليمة واضحة للعيان أفرزها انفجار هائل في محطة الوقود النووية في فوكوشيما .

إذاً لا بد من التنويه بداية أن حالات الوفاة المنسوبة مباشرة إلى تحرر جزيئات مشّعة تكاد تكون معدومة حتى هذه اللحظة فضلاً عن أن الخسائر الاقتصادية محدودة جداً مقارنة بالتأثيرالإجمالي للزلزال والتسونامي معاً .إني أعترف أن ثمة مصادر أخرى للطاقة تنطوي على خطرٍأشد مما تشكله الذرة .‏

لعل أحد هذه المصادر إمكانية تسرب غاز ثاني أكسيد الكربون من جوف الأرض إلى سطحها ، الأمر الذي يفاقم حالة التغير المناخي ،ويلحق الضرر بالمحيط والمجتمعات دون أن ننسى انفجاره في فترات متقطعة في المناجم والتسبب في انهيار دهاليزها وموت آلاف العمال فيها ، ناهيك عن مناجم الفحم الحجري في العراء وحتمية إلحاقه الضرر الفادح للمناظر الطبيعية وقضم ذرا الجبال الخضراء وتخريب الأراضي الصالحة للزراعة والقضاء على ملكية الفلاح.‏

ثمة محاولات رشيدة لإضفاء صفة الموضوعية على الواقع الراهن جراء هذه الأزمة . لكن وبشيء من الأسف أشير إلى أن ما تعرضت له محطة فوكوشيما لأمر جلل يقف وراءه حادث حضاري وليس مجرد حادث صناعي فائق الأهمية كما يدعي كثيرون.‏

والمفارقة المحزنة أن العالم الغربي ومنذ أفول القرن التاسع عشر ، لا ينفك عن التأكيد لنفسه أنه صاحب الفضل الأول والأخير في ابتكار حضارة العلوم التقنية ولم ينس بالطبع فرضها على العالم كله كنموذج فريد للتقدم والتطور الإنساني ومحفز رئيسي للنمو الاقتصادي !! ونحن شعب اليابان لم يتورع عن اقتفاء خطواته بل والتواطؤ معه في رسم نهج قوامه التقدم لتطوير الإنسانية، وذلك التقدم الذي هيمن على كافة الاعتبارات: سياسية واجتماعية وأخلاقية أيضاً إلى حد تحويل الكائن البشري إلى حقل للتجارب ( الخلايا الجذعية والحمل الصناعي )‏

وفي الواقع لا بد وأن يأتي يوم نزيح التكنولوجيات فيه جانباً عندما تترك آثاراً غير مرئية ويعم خطرها في كل حدبٍ وصوب،فضلاًعن إمكانيتها الإفلات من قبضة مبدعها ، أي الإنسان والتخلص من هيمنة كل ما هو قادم ...فبعض التكنولوجيات كالهندسة الوراثية على نحو خاص تثير رعباً قاتلاً في النفوس ، وتلك التي تتكون من ذرات متناهية في الصغر فتقنية الهندسة الوراثية تشكل في كل مرة طاقات مؤهلة لكي يستخدمها الإنسان . ففي حال المغذيات العضوية المعدلة جينياً ، فإن بنيتها الوراثية تنفذ إلى داخل المادة الحية ، ومعها نخشى أن تتفشى هذه البنية في ثنايا الطبيعة بطريقة غير مضبوطة وإذ ذاك أكثر نخشى سميتها القاتلة العصية على الكشف عندما تنفذ إلى السلسلة الغذائية ، كما ونخشى فقدان سيطرة الأفراد على هذه المادة الحية المعدلة والتي تصبح بفعل صكوك البراءة الممنوحة لها في حوزة الفئات الصناعية الكبرى .‏

فماذا نشاهد في فوكوشيما ؟ في الحقيقة نشاهد تجسيداً حياً ولجميع هذه المخاوف ودليلاًقاطعاً على ذلك . فالنتائج ليست عصية على إدراك الأفراد وحسب بل إنها عصية حتى على إدراك النخبة من علماء التكنولوجيا ... ففي شمال اليابان تتشكل لوحة مذهلة وصاعقة لتقنية تهدد سلامة الأقاليم الشاسعة جراء انبعاث أجزاء تافهة ودقيقةلا يمكن السيطرة عليها من اشعاعات سمية غير ظاهرة للعيان ومبعثرة في طبقات الجود وداخل التيارات البحرية . وكأن البحرية بهذه التقنية المهددة تريد الانفلات من قبضة مبدعها بل وإزاحته والحلول مكانه إلى حد منعه من السيطرة عليها . لعلها معاينة خارقة إذ إن أسياد الذرة يجهلون ويتجاهلون ما يجري بالضبط داخل الأمكنة الهامة في محطة الوقود النووية أي المفاعلات الأربعة طالما أن الاقتراب والدنو منها يعني الهلاك في الحال ....‏

كما يبدو أن المفاعلات النووية التي تعرضت لبعض الذوبان قد اكتسبت استقلالية خاصة ، ثم إن الآثار السلبية الناجمة عن تفكيك العناصر المشعةالمكونة لهذه المفاعلات تزيد طاقة حمم الماغما لتتمكن من الصمود لأشهر عدة تحت درجة حرارة لا تقل عن 2000 درجة مئوية وذلك دون تدخل يذكر من الخارج . وفي أثناء «حرب الخنادق» تشكل لدى باحث في هيئة الطاقة الذرية مفهوم ذو أهمية باتجاه «إعادة غزو» المفاعلات تلك ، مشيراً في الوقت نفسه إلى حقيقة دخولنا في نزاع مسلح مع مبدع هذه الحضارة ، أي الإنسان. وما المشهد البائس لطائرات الهليكوبتر بينما تحول كميات هائلة من مياه البحر بخراطيم ضخمة باتجاه المفاعلات للتخفيف من حدة غليانها سوى دليل قاطع على مقدار هلع الناس داخل هذه المعركة الحامية الوطيس....لا يخفى على متتبع للأحداث إياها أن يؤكد أن الوعود الرامية للسيطرة علي الطبيعة والعالم قد ذهبت أدراج الرياح ... الانفجار الغازي في المناجم ، كما الإعصار والزلازل عبارة عن حوادث صناعية تقليدية تساهم في تكوين الخطر بشكل جزئي ، زد على ذلك أن كارثة فوكوشيما بالذات قد وسعت حدقة عيوننا لنلحظ تماماً أن كل تقنيات الدول المتقدمة في هذا المجال قد تحررت من قيود ودناءة الانصياع لمبدعها لتصبح سيدة نفسها وعدوة لدودة له . هذا كل ما يعنيه المفهوم الغربي للتقدم الإنساني كتابع للتقدم التقني ، الأمر الذي يدفع بنا نحن شعب اليابان لإعادة التفكير واستيعاب العبر والدروس المؤلمة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية