تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل تفجر «أبيي» الصراع في السودان من جديد؟

شؤون سياسية
الاثنين 2-5-2011
توفيق المديني

عادت أجواء الحرب تخيم من جديد في السودان، في ضوء انفجار الأزمة بين الشمال ودولة جنوب السودان التي يتزعمها الرئيس سلفاكير ميارديت حول تابعية منطقة أبيي الغنية بالنفط

لاسيما بعدما نصت مسودة دستور جنوب السودان التي اطلعت وكالات الأنباء العالمية على نسخة منها يوم الثلاثاء 26 نيسان 2011 على أن أبيي جزء من أراضي الجنوب.‏

هذا التطور المفاجىء في موقف قادة دولة جنوب السودان جعلت الرئيس السوداني عمر حسن البشير يرد عليه بقوة في كلمة بثها التلفزيون الرسمي في وقت سابق من الخميس 28 نيسان 2011 حيث قال: إن «قضية أبيي ليست قضية المسيرية ولا غرب كردفان إنها جزء من أرض السودان وهي قضية كل السودان» مؤكداً أنه أمام «أي محاولة لتضمين أبيي في دستور الدولة الجديدة لن نعترف بالدولة الجديدة» وأضاف البشير الذي كان يتحدث لمناصريه في مدينة الفوله الواقعة جنوب كردفان أن «حدودنا مع الدولة الجديدة هي حدود 1956 وإذا ضمت أي أراضٍ خارج هذه الحدود لن نعترف بالدولة الجديدة» وكان الرئيس البشير أكد الأربعاء 27 نيسان 2011 في المجلد جنوب كردفان معقل قبيلة المسيرية أن «أبيي شمالية أقولها للمرة المليون أبيي شمالية وستظل شمالية».‏

بالنسبة لكبار المسؤولين السياسيين في الدولة السودانية الشمالية يعد تضمين مشروع دستور دولة جنوب السودان نصا يجعل منطقة أبيي جزءاً من دولة الجنوب خرقا لاتفاقية السلام الشامل وتجاوزاً لاستفتاء تقرير المصير لجنوب السودان والذي ينص بأن جنوب السودان هو ما يقع جنوب حدود يناير 1956 وفي هذا السياق أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان يوم الأربعاء 28 نيسان 2011 أنه لن يعترف بدولة جنوب السودان المتوقع إعلانها في التاسع من تموز 2011 في حال ضمت منطقة ابيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب وأضاف أن «المؤتمر الوطني يعلن أنه لن يقبل هذا النص ولن يعترف بهذا التجاوز وسيعيد النظر في الاعتراف بدولة الجنوب المتوقع إعلانها في التاسع من يوليو في حال أصر الجنوب على تضمين هذا النص في دستوره».‏

الولايات المتحدة الأميركية الحليفة القوية بل الراعية الأولى لولادة دولة جنوب السودان اعتبرت تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير بأن الخرطوم لن تعترف بدولة جنوب السودان إذا ما طالبت بمنطقة أبيي المتنازع عليها «لا تؤدي سوى إلى تأجيج وتصعيد التوتر».‏

ولما كانت منطقة أبيي غنية بالنفط وتنتج 500 ألف برميل وتمثل 5٪ من نفط السودان فقد استثنتها اتفاقية نيفاشا واضعة لها بروتوكولا خاصا كجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وتقطن أبيي قبيلة المسيرية وهي قبائل عربية متمازجة مع القبائل غير العربية في هذه المنطقة ويرجع تاريخ قبائل المسيرية في هذه المنطقة إلى أزمان ساحقة، فالمسيرية هم أبناء عطية بن جنيد شاكر من عرب جهينة وعرَّبت قبيلة المسيرية كثيرا من القبائل التي عاشت معها لسانا وثقافة وحتى في الملابس فصار الكثيرون عربا باللسان والثقافة والعصبية وعندما يقول التاريخ: إنه منذ عام 1730م كانت للمسيرية سطوة كبيرة في هذه المناطق ويروي كثير من المؤرخين بأن للمسيرية دوراً كبيراً في الحرب التي دارت بين دولة المسبعات في كردفان ودولة الفور حوالي عام 1765 حيث انحاز المسيرية لسلطان المسبعات واستطاعوا أن يهزموا الفور في بوادي كردفان القبيلة التي تضر وتنفع في ذلك الوقت، يعني أنها قبيلة موجودة في المنطقة منذ مدة طويلة.‏

أما عن الكيفية التي استقر بها المسيرية والدينكا في منطقة أبيي؟ يقول حاكم إقليم كردفان الأسبق والقيادي في قبيلة «المسيرية» السودانية عبد الرسول النور أن «السودان بلاد هجرات، فجيراننا الدينكا قدموا من الهضبة الإثيوبية وجاؤوا إلى أعالي النيل ثم إلى بحر الغزال ثم تفرقوا من منطقة فم الزراف حيث قدم بعض منهم إلى كردفان في أواخر القرن الثامن عشر أي إنهم وصلوا هذه المنطقة بعد 150 عاما من وجود المسيرية فيها وبالذات دينكا نقوك الذين نزحوا إثر حروب بينهم وبين قبيلة النوير وكذلك مع دينكا التوج فاحتموا بمناطق المسيرية وبعد قيام الثورة المهدية 1882 ذهبوا مع المسيرية تحت راية واحدة ليحاربوا في صفوف ثورة الإمام المهدي ضد الاستعمار التركي وحينما جاء الحكم البريطاني بعد انكسار المهدية عادت القبيلتان معا ولم يحدث بينهما قتال أبداً لأسباب قبلية إلا بعد عام 1965 (بعد استقلال السودان بعشر سنوات) لأسباب سياسية عندما تمرد بعض أبناء دينكا نقوك والتحقوا بالمتمردين في بحر الغزال، إذن فقد جاء المسيرية لهذه الأرض قبل أن يأتي الكثيرون».‏

ويبلغ سكان قبيلة المسيرية 30٪ وقبيلة الدينكا نقوك وسكانها 70٪ وتاريخيا احتمت قبيلة الدينكا بالمسيرية واستقروا في المنطقة واختلطوا بأهلها ولم تحسم الاتفاقية وضعها حيث نصت على تشكيل لجنة من الخبراء الدوليين لتقرير تبعيتها للشمال أو الجنوب.‏

لقد أمرت اتفاقية نيفاشا بإنشاء «مفوضية حدود أبيي» لتقوم بتحديد منطقة سكن مشيخات دينكا- نقوك التسع التي تم نقلها في 1905 إلى مديرية كردفان وأصبحت مساحة منطقة أبيي 10460 كلم مربعا بحسب قرار لاهاي (22 تموز 2009) واختلف الشريكان في الحكم ومن يناصرهما محليا على قبول تقرير مفوضية حدود أبيي المؤتمر الوطني وقبيلة المسيرية يرفضانه والحركة الشعبية وقبيلة دينكا -نقوك توافقان عليه كما يختلف «المجتمعان المحليان» حول ترسيم حدود «منطقة أبيي» بحسب قرار محكمة لاهاي ومن الاختلافات أيضاً الازدواجية في مسميات المستويات الإدارية فإلى جانب اختلاف الشريكين حول حدود أبيي التي حددها تقرير المفوضية بـ 18626 كلم مربعا (في العام 2009) يتسبب تباين موقف المسيرية والدينكا حول ترسيم حدود محكمة لاهاي في إرباك يخل بمعنى ومضمون وصف «منطقة أبيي» محلية أبيي (32 ألف كلم مربع) أما منطقة أبيي- بحدود تقرير المفوضية ( بـ 18626 كلم مربعا) أم منطقة أبيي بحدود محكمة لاهاي (10460 كلم مربعا) أما منطقة أبيي المحررة (أبيي كاونتي) غير المعروفة المساحة بحسب وصف الحركة الشعبية.‏

وفي ظل الاختلاف هذا حول تقرير مفوضية حدود أبيي لجأ شريكا الحكم في السودان إلى المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم في لاهاي للفصل بينهما بقرار ملزم لهما وللدولة ويقضي بترسيم حدود منطقة أبيي «وأعلنت محكمة لاهاي قرارها التحكيمي النهائي والملزم في تموز 2009 يومها أعلن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قبول تحكيم لاهاي، ووعدا بتنفيذه بوصفهما الجهتين المناط بهما التنفيذ قبل ممثلو دينكا -نقوك قرار التحكيم وطالبوا الشريك بتنفيذه فورا ورفضت المسيرية قرار التحكيم شكلا ومضمونا ورفضوا ترسيم حدود منطقة أبيي في ضوء قرار التحكيم ما لم يتم أولا اكتمال ترسيم حدود 1-1-1956 واشترطوا مطالبين حكومة السودان في حال ترسيم حدود استقلال السودان في العام 1956 بتعويضهم ماليا عما يعتبرونه أرضهم التي أعطتها الحكومة لدينكا -نقوك ويكمن أخطر ما في الأمر في أن «المسيرية» طالبوا بما يرونه حقا كاملا في المشاركة في إجراءات الاستفتاء الخاص بمنطقة أبيي وإلا فإنهم سيرفعون السلاح في وجه من يمنعهم من ممارسة هذا الحق.‏

ويواجه استفتاء أبيي صعوبات شتى فاللجنة المكلفة بتنظيم هذا الاستفتاء لم يعين أعضاؤها بعد كما أن الجنوبيين والشماليين مختلفون حول من يحق له المشاركة في هذا الاقتراع إذ يمنح قانون الاستفتاء حق الانتخاب لقبيلة دينكا نقوك ولا يعطيه للمسيرية الذين يهاجرون كل عام إلى أبيي بحثا عن المراعي والمياه لمواشيهم البالغة عددهم 5 ملايين رأس بقر.‏

كاتب تونسي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية