وتظهر في الوقت نفسه ، ولو أولياً طبيعة سياستها القادمة العربية والإقليمية والدولية.
بداية تجدر الإشارة إلى أن مرحلة مابعد انتصار ثورة مصر قد شهدت محطات متتابعة،حرصت على تنفيذها تجمعات وحركات الثورة الشبابية التي شكلت طليعة حركة الثورة والتحقت بها الأحزاب التقليدية من يسارها إلى يمينها أواضطرت لذلك.
وهذا ماجعل مركز الثقل في تجسيد شعارات هذه المحطات من صنع شباب الثورة (جمعة الانتصار،جمعة الحفاظ على الثورة ومكتسباتها ، جمعة التطهير والمحاكمة ...الخ) وبات الشارع أكثر وعياً وانضباطاً لتوجهات هذه الشعارات في محطاتها المختلفة ، وبخاصة تفادي الاصطدام أو التناقض مع مجلس القيادة المؤقت الذي يتزعمه قائد الجيش المشير الطنطاوي ، وصولاً إلى إيجاد لغة مشتركة مع حكومة عصام شرف المؤقتة ، التي حددت توجهات الداخلية بإصلاحات عديدة تلبي طموحات الشارع وتطلعاته وبخاصة تجاه القضايا التي تمس العلاقات الخارجية لمصر.
ونشير هنا خاصة إلى نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز«بيو الأميركي للأبحاث» في الفترة مابين 24 آذار و7 نيسان الماضي ضمن عينة من 1000 مواطن أظهرت نتائجه:
- أن 54 بالمئة من المصريين يريدون إلغاء اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1979م مقابل 36 بالمئة يؤيدون الإبقاء عليها.
-أن 39 بالمئة يرون أن لأميركا دوراً سلبياً تجاه التطورات المصرية مقابل 12 بالمئة،فيما اعتبر 35 بالمئة أنه عادي (لاسلبي ولاإيجابي) .
وأعرب 15 بالمئة عن رغبتهم في تعزيزها ،مقابل 43 بالمئة دعوا إلى تخفيفها وأيد 40 بالمئة الإبقاء عليها.
- أما مرشحو الرئاسة المفترضون فقد حصد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية 41 بالمئة ونال المعارض أيمن نور 32 بالمئة وحل بالمرتبة الثالثة محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية بحصوله على 20 بالمئة.
ورغم إشارة ثلثي المصريين بأنهم راضون عن سير الأحداث والأمور بعد الثورة في بلادهم فإنه لابد من إظهار عدد من المسائل منها:
أولاً : محاولة الحكومة المؤقتة تطبيع علاقاتها مع إيران التي كانت شبه مجمدة لأسباب مصرية وغير مصرية أيضاً ، مع موازنة هذا التطبيع من خلال المحافظة على علاقاتها مع بعض دول الخليج، والتي ترافقت مع جولات لوفود مصرية لعدد من الدول ،واتصالات رسمية مع عدد آخر منها تمهيداً لزيارات حكومية مفترضة.
ثانياً: التصريحات المتتالية الصادرة عن عدد من أركان حكومة شرف حول أولوية تحسين علاقات مصر مع شقيقاتها العربية أولاً وعلى حساب أي علاقات أخرى .
ثالثاً: صدور عدد من التصريحات الرسمية حول ضرورة إعادة النظر باتفاقيات الغاز وغيرها الموقعة مع إسرائيل (ملحقات اتفاقية كامب ديفيد) والمتزامنة مع تصريحات لعدد من قادة شباب الثورة وحركاتهم حول ضرورة إلغائها.
رابعاً: الإعلانات الرسمية حول عدم إمكانية الاستمرار بالتعاطي السابق مع قطاع غزة وحصاره، وثانياً ضرورة فك الحصار وفتح بوابة معبر رفح أمام فلسطين غزة وحرية حركتهم وفق الأنظمة المصرية الجديدة، وبالتفاهم مع الجانب الفلسطيني، خلافاً لحالة الحصار السابقة المستندة إلى تفاهمات عانى منها الشعب الفلسطيني ومست السيادة الفلسطينية أيضاً.
خامساً : عودة مصر إلى استئناف دورها في عملية المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية وسط ترحيب عربي من الدول المنشغلة بالمصالحة وخاصة سورية، وترحيب إقليمي يؤشر إلى طبيعة التعاطي المصري مابعد الثورة مع هذا الملف الفلسطيني.
سادساً : عدم الإشارة حتى تاريخه إلى ضرورات المحافظة على مستوى ووتيرة العلاقات السابقة وبخاصة مع حلفاء النظام المصري السابق ،ودلالات هذا التجاهل لهذه العلاقات ، وتالياً الالتفات إلى الأولويات الوطنية المفيدة لمصر وجيرانها ، وتوجهاتها المصرية الوطنية والعربية والإقليمية.
هذه المسائل وغيرها تظهر تغييرات أولية في التوجهات المصرية المستمرة منذ انتصار ثورة 25 كانون الثاني ، لمافيه مصلحة تطبيع العلاقات العربية - العربية، وربما العودة التدريجية لمصالحات تأخذ بالحسبان تجاوز مضار السياسة السابقة على مصر ومحيطها العربي ودورها الإقليمي وضرورات تقييم هذه المرحلة واستنباط المهمات المطلوبة المتناغمة مع تطلعات شعارات هذه المرحلة وكيفية تجسيدها...
باحث في الشؤون الدولية
batal-m@scs-net.org