وكما حصل في المهرجان العالمي حول زواج القرن في بريطانيا فإن حفل الاغتيال هذا مجرد حادثة هوليودية جرى تضخيمها دون أي مبرر لكن في حين لم ينظر أحد بجدية إلى حفل الزواج، أفضى حفل الاغتيال إلى قدر كبير من الانفعال المضخم الذي لا يوجد من ورائه شيء ينبغي أن نتذكر إلى جانب أنه إضافة إلى الأسئلة المحرجة التي لا يتجرأ أحد على إثارتها مثل: لماذا الاغتيال وليس الاعتقال ولماذا تلقى الجثة في البحر دون أن تدفن بشكل اعتيادي، إن شيئاً في العالم لم يتغير بعد العملية هل أصبح عالماً أكثر أمنا؟ من المؤكد لا. هل بات أكثر عدلاً وأخلاقاً؟ نشك في ذلك كثيراً.
ربما أن ابن لادن يستحق الموت لأنه تسبب في قتل جماعي ليس لآلاف الأميركيين والأوروبيين فقط بل لمئات الآلاف من المسلمين الذين قتلوا في حروب الرد الخاسرة التي قامت بها أميركا بسبب أفعاله، أساء بن لادن لسمعة المسلمين وتسبب في زيادة الكراهية لهم كان قتله عملية انتقامية وبقيت الامبراطورية الأميركية التي قامت بالعملية مكروهة كما كانت من قبل بل هي تواصل انهيارها الأخلاقي وإن كانت شعبية رئيسها زادت هذه الأيام لكن هذا أيضاً مؤقت تماماً.
وإذا كانت عملية «عنتيبة» التي قامت بها إسرائيل أنقذت الحياة ولم تغير شيئاً في التاريخ فإن رئيس الحكومة الذي أصدر الأمر لم يتم انتخابه مرة ثانية بعد هذه العملية فإن عملية اغتيال بن لادن بدورها لن تنقذ أحداً ربما تكون أفرحت تلك القلوب التي تشتهي الانتقام.
أميركا هي أميركا: عرضت صدام حسين وهم يقومون بفحص أسنانه مثل بهيمة في سوق وألقت جثة ابن لادن في البحر، وهذان عملان سافلان منفران لا داعي لهما، وأميركا هي أميركا: غموض في تفاصيل العملية العسكرية وتضارب في المعلومات حول ما إذا كانت بن لادن مسلحاً وما إذا كانت هناك امرأة وهل جرت مقاومة من جانبه فلماذا يفسدون الحفل الأفضل في العالم بغياب التفاصيل وإثارة الشكوك على هذا النحو؟
وقد انضمت اسرائيل بطبيعة الحال إلى هذا الحفل بكامل الحماسة فقد ظهر جيش من الجنرالات والمحللين لا ينتظرون سوى عمليات اغتيال في كل مكان في الاستوديوهات وفي التلفزيون يتحدثون بفخر عن معرفتهم الحميمة بـ «أسود البحر» ويمتدحون بطولة أميركا وفوق ذلك يصورون كم هو جيد إمكانية تنفيذ مثل هذه العمليات دون محكمة العدل العليا وغولدستون و«بتسيلم» وكأننا لا نفعل نفس الفعل أصلاً لكن لماذا لم ننجح مع جلعاد شاليط.
وخلاصة ذلك، دعم للاغتيالات وعمليات التعذيب في تحقيقاتنا واحتمال أقل لنجاح صفقة شاليط هذا هو الضرر المحلي للعملية في إسلام أباد بعد العملية سيستيقظ العالم على عمليات انتقام أخرى وعلى كراهية متقدة أخرى لأميركا لن يتحقق المجد للولايات المتحدة بسبب عملية «رامبو 5» هذه (التي ستتحول قريباً إلى فيلم) وسيكون مجدها الوحيد إذا عادت إلى قيمها التي فرغ أكثرها من المضمون واستحوذت بسببها على لقب «قائدة العالم الحر» ولعبت دورها العالمي وفق هذا التوصيف.
لن تنشأ أميركا الموعودة من غوانتانامو وإسلام أباد ربما تكون الامبراطورية قد ضربت ثانية وثالثة ورابعة لكن هذه الامبراطورية خانت رسالتها منذ زمن بعيد يحلمون في العالم الاسلامي بأميركا ويحاولون دون انتباه تحقيق روحها المعلنة ويكرهونها، والحقيقة المدهشة أن الانجاز الوحيد الذي حققته في السنوات الأخيرة إنما قامت به دون أن تطلق النار ودون أن تقصف أو تغزو أو تدفع الأموال ومصدر هذا الانجاز الوحيد هو أنها كانت نموذجاً يحتذى.
في تونس وبنغازي والقاهرة يريدون أميركا لكن ليس أميركا «أسود البحر» ورماة الجثث بل أميركا ذات المبادىء المعلنة التي يمجدونها وتخونهم مرة تلو الأخرى.
إن قتل ابن لادن لن يعزز هذه الامبراطورية بشيء ولن يوقف تلاشيها إلا إذا عادت إلى قيمها الأولى، حينذاك ستحظى مرة أخرى بجدارة أن تصبح زعيمة العالم الحر لا زعيمة للاستعمار الحديث فقط كنا نعتقد قبل سنتين ونصف أنها اختارت للرئاسة إنساناً يدرك هذا لكن أملنا خاب حتى الآن.
بقلم: جدعون ليفي