ولمَ ينتابنا الغيظ كلما لاحت في الأفق فرصة لأي تغيير إيجابي في الطرف الآخر؟ ولمَ نصاب بالذعر تحسبا من أي تغيير يحصل لدى الفلسطينيين فنسارع إلى رفضه؟ هل عرفتم لمَ تعترينا كل تلك الهواجس؟ نقول لكم إنه موروث ما انفك يهيمن على أحاسيسنا باستمرار.
إن ما حصل مؤخرا يمثل دليلا على ما ذكرناه، إذ ما إن انفض المؤتمر الصحفي الذي عقده عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق حتى أطل علينا رئيس مجلس الوزراء بنيامين نتنياهو ليدلي بتصريح يثير الخوف والرعب لدى الشعب، وقد سبق ذلك أيضا ما أخذ يطرق مسامعنا من لحن الرفض الذي دأبت الجوقة الوطنية على عزفه وكأنه أصبح بمثابة نشيدنا الوطني في الوقت الذي مازالت فيه أوركسترا أخرى تعزف لنا معزوفة ترددها من خلف الستار ألا وهي حادثة الحافلة المدرسية التي تعرضت لقصف صاروخي من غزة والتي مازلنا نبثها إلى الخارج في إطار حملة للعلاقات العامة. في الوقت الذي يحذر به آخرون في الداخل من كارثة ستلحق بإسرائيل جراء المصالحة الفلسطينية. وحتى قبل التوصل إلى تلك المصالحة أخذ الزعيق الإسرائيلي معلنا عن رفضه أي اتفاق بين فتح وحماس.
إذا عدنا إلى ما قيل وكتب في السبعينات والثمانينات من القرن الفائت نجده يتكرر اليوم كلمة كلمة، حيث يقال عن حماس إنها منظمة إرهابية نرفض التفاوض معها بأي شكل من الأشكال. وكان ذات هذا الكلام يقال في ذلك الحين عن حركة فتح. وبذلك فقد بقي الموقف على حاله مع تغيير في اسم المنظمة فحسب، وعلى غرار ما كان يحدث بالأمس نجد أن وزير الدفاع قد وضع شروطا تعجيزية على حماس لينظر في إمكانية التحاور معها وهو يعلم بشكل مسبق بأنها سترفض الأخذ بها أو الموافقة عليها. أما شمعون بيريز فنجده يعلن عن ضرورة السلام ويتمسك به دون أن يقبل بإزالة المستوطنات، وقد صرح الناطق باسم مكتبه بأن قيام المصالحة بين فتح وحماس سيعرقل قيام دولة فلسطينية وكأن إسرائيل كانت على وشك مغادرة الأراضي لكن المصالحة هي التي حالت دون ذلك.
لقد غيرت حماس (وليست فتح) موقفها، وكان علينا أن نسر لهذا الخبر على الرغم من تعذر التوصل في الوقت الحاضر لمعرفة مدى جديتها نظرا لصعوبة التثبت من تحولها إلى حركة معتدلة الأمر الذي يتطلب منا منحها فرصة لتأكيد موقفها. إذ إننا عبر سنتين دأبنا على وضع شروط تعجيزية أمام عباس والآن خسرناه عندما قال له نتنياهو “إما نحن أو حماس” وكأن خيار “نحن” موضوع على الطاولة.
في قمة بنود المصالحة وعد بتحقيق الديمقراطية وإجراء الانتخابات وهما الأمران اللذان كنا نلح باستمرار على تطبيقهما ويطالب بهما اليمين في إسرائيل. وتحقق لنا ما نبتغيه. حيث يتعين على الذين يقولون بأننا نرفض إقامة السلام مع الحكام العرب الاستبداديين أن يكونوا سعداء بالسلام لأنهم سيتعاملون مع الشعب الفلسطيني ذاته وليس مع الحكام. أما الذين يتذمرون ويبدون امتعاضهم من قيام عباس بضم شركاء راديكاليين إلى حكومته فما عليهم سوى النظر في تشكيلة حكومتنا. ويضاف إلى ذلك الإسرائيليون الذين يقولون بأن الفلسطينيين منقسمون وعباس شخص ضعيف لا يمكن أن يكون شريكا فعليهم أن يكونوا أيضا سعداء بقيام حكومة قوية تمثل الشعب الفلسطيني.
وفقا لوجهة النظر الإسرائيلية فإن المصالحة الفلسطينية أمر سيىء، فما الأمر الجيد إذن؟. لقد قال نعوم تشومسكي في مقابلة أجراها معه غادي الغازي في تلفزيون إسرائيل:”إن كانت إسرائيل تعتبر نفسها دولة ديمقراطية فعليها أن تؤمن بضرورة وجود دولة فلسطينية ديمقراطية. أليس هذا الكلام صحيحا؟”.
إن الطريق لتحقيق المصالحة الفلسطينية مازال طويلا، والسبيل إلى قيام الدولة الفلسطينية سيستغرق وقتا أطول، لذلك لا نجد ما يستدعي الاحتفال به في أزقة جنين وأنفاق رفح. كما أننا لا نجد من مبرر للقلق في القدس وتل أبيب إزاء قيام حكومة وحدة وطنية فلسطينية. وفي حال حدوث الانتخابات فلا شك بأن احتمالات أخرى قد تنجم عنها على أرض الواقع وعلى إسرائيل الترحيب بالنتائج مع إبداء تحفظاتها إن رغبت.
لقد شعرنا بالامتعاض إزاء حديث سفير جنوب إفريقيا اسماعيل كوفاديا في يوم ذكرى الاحتفال بتحرير جنوب إفريقيا الذي صادف في يوم عطلة نهاية الأسبوع. عندما تطرق إلى ذكر منظمات كان ينظر إليها باعتبارها منظمات إرهابية قد شاركت في الحكم في الوقت الحاضر، وما قاله بشأن المصالحة الفلسطينية. لكن الوزير بيني بيغن انبرى لإثارة المخاوف في جموع الحاضرين عن مستقبل الديمقراطية في العالم العربي ورسم صورة سوداوية مقيتة لها. ولقد جاءت أقواله تلك مؤكدة تمسكنا بمعزوفة الرفض التي دأبنا على ترديدها وسماعها على مر سنوات طويلة.
بقلم جدعون ليفي