هكذا يصف الحاج أبو أكرم الحياة في ضيعته الغافية على سفوح جبل الشيخ ويتابع حديثه قائلاً: أتذكر حلقات الدبكة في ساحة البلدة حيث يجتمع الشباب مع الصبايا ويدبكون معاً دبكة مختلطة بكل وداعة ومحبة.
لقد كانت الحياة بسيطة وعفوية والناس يتعاملون مع بعضهم بصدق ويرسخون مبدأ التعاون والتعاضد، وما أذكره أن عائلتنا كانت تجتمع كل يوم خميس لتدرس أوضاع العائلة ككل ومعرفة متطلبات الأسر الفقيرة سواء من القمح أم الألبان أم ما شابه ذلك.
والمهم في النهاية ألا يكون في العائلة شخص محتاج.
ومن العادات الايجابية أيضاً إرسال الأبناء في سن التعليم إلى المدرسة رغم أن العمل في الأرض ورعي الأغنام يتطلب عمل كل أفراد الأسرة، ورغم ذلك فقد ارتأت العائلات المرتاحة مادياً تعليم أبنائها وأغلب الذين تعلموا أصبحوا الآن أساتذة في المدارس والنسبة الأكبر كانت من نصيب الشباب مقارنة مع الفتيات اللواتي كن يتجهن نحو الزواج وتأسيس العائلة.
وبالنسبة لي فضلت أن يدرس أبنائي، ولاسيما أنني كنت أعمل في مجال البناء وأغلب أولادي حملوا لي زوادة الطعام لمسافات طويلة وعانوا مشقة الطريق سيراً على الأقدام حيناً وركوباً على الدواب فترات أخرى.
أما المرأة في الجولان فهي مثال للعمل الدؤوب والشاق وصاحبة الحمل الأثقل فإلى جانب واجباتها المنزلية كانت تحمل الحطب وتنقله من مسافات بعيدة وأحياناً تقطع النهر من جانب لآخر وتحلب الغنمات وتصنع الألبان والأجبان، تخبز الخبز وتذهب للسليقة إضافة إلى العمل في المنزل والاهتمام بالأولاد وتتدخل أم أكرم بالحديث وتقول: رغم التعب والجهد والكد إلا أنني أتوق لتلك الأيام وأتمنى لو تعود ثانية وأنا مستعدة لحمل الأثقال من أجل ذلك لا الحطب.
فالحياة كانت حلوة وبسيطة ومنظر الضيعة بلونها الأخضر والملون أيام الربيع ينعش القلب ويمد في العمر..
وأكل التين من الشجرة مباشرة لا يعادله مذاق وقلنا لأم أكرم إن حديثك كالشعر فهل تحبين الشعر؟ فقالت: إن جمال ضيعتي ومنظرها الذي لا يفارق مخيلتي أجمل من الشعر وما أقوله ما هو إلا وصف قليل لما يتمتع به الجولان من جمال وروعة وحياة هادئة.
وأضافت تقول: كلما تحدثت عن ضيعتنا في الجولان يطلب أحفادي المزيد من المعلومات والحكايا، وكما تعلمون فإن الطفل الصغير يحب أن يستمع لحكايا الجد والجدة والحكايات التي ترويها لأحفادنا هي قصص واقعية ومن ذاكرتنا المتوقدة دائماً بحبنا لأرضنا في الجولان وعاداتنا وتراثنا الذي نحاول جاهدين أن يصل إلى الأجيال القادمة بكل صدق ليبقى شاهداً على أرض طيبة ووطن غال.