البداية
- يقول (الأب لاغرانج) عن الأموات: «لقد ماتوا ليستريحوا تحت الثرى، وهل من شيء أقرب إلى الخيال من أن البنفسج والأقاحي والورود والشقائق نمت من ترابهم، وتلونت بالأرجوان من دمائهم، واحتوت على شيء من أرواحهم».
- يقول (جيمس فريزر) معلقا ً، ويظهر من كلامه نفس ٌ من (عمر الخيام) في رباعياته: «ألا هل شاهدت يوما ً وردة ً تفوق احمرارا ً وردة ً نمت في ثرى ملك نزفت هناك دماؤه ؟ هذه الزهور التي تاهت بها الحدائق إنما سقطت في حضنها من خصلات رأس كان يوما ً جميلا ً».
- يقول عمر الخيام، ترجمة (جبرا إبراهيم جبرا):
وهذا العشب القشيب
الذي يكسو شفة النهر
التي عليها نضطجع
بربك رفقا ً به إذ تضطجع
من يدري من أي شفاه جميلة لا نراها
قد نما العشب القشيب ؟
- لكن الأبيات المحفوظة في ذاكرتنا لأم كلثوم من صياغة (أحمد رامي) عن الخيام تقول:
فكم توالى الليل بعد النهار
وطاف في الأنجم هذا المدار
فامش الهوينى إن هذا الثرى
من أعين ساحرة الاحورار
- في اللاهوت الكنعاني:
إن لم تقع الحبة في الأرض
وتموت تبقى وحدها.
وإذا ماتت أخرجت حبا ً كثيرا.
- في مدائح العذراء:
السلام عليك يا مريم
يا جرة ً تحوي المن
المحلي حواس الأتقياء
السلام عليك يا غذاء ً
يقوم بدل المن.
- ويسوع، ككل إله ميت، يعرف منذ البدء أنه يقاسي، لكنه يفعل ذلك بمحض اختياره:
أبذل نفسي لأسترجعها
ما من أحد ينتزعها مني
ولكني أبذلها برضاي
- إن يسوع، والبعل أيضا ً، بكامل الحرية - التي لا نفهمها أحياناً - يقرر ما يصعب التعبير عنه، ومايصعب القيام به. الموت ثم القيامة، وهذا ما يفعله أدونيس، تموز، والبعل.
في الساحل السوري
- نرى هذه القصص التي مررنا بها، وجها ً آخر لقصة الإله الابن، روح القمح، الذي تحول إلى روح النبات، وحيث يظهر إلينوس (ايليا) (مار جرجس) الشاب الغض الذي كان الحصادون السوريون يندبون موته، وهم يهوون بمناجلهم على سيقان القمح الجافة، هل هو أدونيس؟ (فريزر) يزودنا بوصف آخر من سورية، وتظهر جلية ً شخصية أدونيس كروح للحبوب في الوصف الذي كتبه عن عيده كاتب عربي ٌ في القرن العاشر:
تموز في هذا الشهر عيد البكاء
وهو عيد تاعوز الذي يحتفلون به
إجلالا ً للإله تاعوز
والنساء يندبنه لأن سيده قتله ظلما ً
وسحق عظامه في مطحنة
ثم ذراها في الرياح..
- وهذا ما نراه جليا ً في الأدب الأوغاريتي لنتابع ما تفعله الربة (عناة) شقيقة (البعل) انتقاما ً لمقتله، فتقتل الإله (موت):
تهجم عليه عناة..
بمدية شقته وبمذراة ذرته
وبالنار أحرقته
وبين مجرى حجري الرحى طحنته
وفي الحقول نثرت أشلاءه.
ذرت بقاياه فوق أرجاء الأرض
ليقضي الدوري على جس
لتأكل العصافير بقاياه
وتطير فوق الأرض من مكان إلى مكان
تبذر جسده شتولا ً للربيع القادم
أكلت جسده بغير سيف
شربت دمه دون كأس
- طقوس أدونيس: كانت النساء في الساحل السوري تضع دمى من شمع، أو طين مشوي ٍ، تمثل الإله القتيل أمام البيوت،وتتحلق حولها بثياب الحداد، فتبكي وتضرب صدورها، وتنشد أغان حزينة بمرافقة الناي، وفي الإسكندرية كانوا يزينون تمثالي أدونيس و عشتار، أو(فينوس) وتوضع عليهما سلال ٌ تسمى حدائق أدونيس (من العدس، القمح الشعير، الشمرة) فوق تراب قليل لتنبت سيقانها بسرعة، حتى إذا ما وصلوا إلى البحر رموا التماثيل والحدائق إلى البحر،ما يدل على الحياة القصيرة التي عاشها أدونيس.
وهذا يحدث أيضا ً في صقلية، وفي أفقا اللبنانية التي يعتبرها (فريزر) مسقط رأس أدونيس يقول: «في أفقا عند منبع نهر أدونيس، بين بعلبك وجبيل، التقى أدونيس بأفروديت لأول مرة ولآخر مرة، وفي هذا المكان دفن أدونيس،وعلى صخرة كبيرة حفرت صورته وصورة أفروديت بيده رمح،وهي حزينة».
كان أتباع أدونيس يعتقدون أن إلههم يموت كل سنة جريحا ً في الجبال، فيتضمخ وجه الطبيعة كل سنة بدمه المقدس، وتزدهر شقائق النعمان، ويجري ماء نهر أدونيس محمرا ً إلى البحر.
الديانات الزراعية ومار جرجس (الخضر)
- كان مار جرجس (الخضر) هو أساس الديانات الزراعية، وكانت مختلف العقائد في الساحل السوري قد بنيت على الأسس الزراعية وتبنت مارجرجس أو الخضر.
- وهذا ما نراه في الإسلام، حيث اتفق كل مفسري القرآن تقريبا على أن «العبد الصالح» الذي قابله «موسى» عند مجمع البحرين، هو الخضر الذي كان يفوق موسى علما ً (سورة الكهف64-68) وثمة قصة ً أخرى، تجعل منه زميلا ً، أو أخا ً، لالياس، ويقال أن كلا الاثنين(الخضر و الياس) قادا الاسكندر العظيم إلى نبع الحياة الخالدة عبر أرض الظلمات.
- أما لدى المتصوفة المسلمين فهناك دعوة ٌ خصوصية، للصلة الحميمة مع الخضر، فهو موجود لإلهامهم وتوجيهه، وقد ذكر (ابن عربي) في كتابه «الفتوحات المكية» لقاءاته الكثيرة مع الخضر.
- من جهة أخرى، نلاحظ تطابقاً بين الياس والخضر بين القول والفعل فالفلاحون في فلسطين وهم يدعون لاستنزال المطر ينشدون:
يا سيدي خضر الأخضر اسقي زرعنا الأخضر
يا سيدي يا مار الياس اسقي زرعنا اليباس
- من هنا نرى أن (بعل الأوغاريتي) إله الظواهر العظيم، نموذجا رسوليا ً هاماً، يبقى في الثقافات الريفية للشرق الأدنى، وحيا ً في الآلهة الزراعية:
أصبح نبيا في اليهودية (ايليا)
قديسا في المسيحية (جورجيوس)
ووليا ً في الإسلام(الخضر)
وبقيت شقيقة النعمان (البعل) رمزا ً لحياة الشهداء القصيرة، على مر التاريخ.