وفي مقابل هذه الحقيقة التي ستنتهي صلاحيتها مع أول عملية انتقامية لتنظيم القاعدة تحت قيادة الخليفة الجديد لبن لادن، ثمة حقائق أخرى لن تسقط بالتقادم مهما حاول الأميركيون إخفاءها أو تمييعها، وهي أن أميركا تؤمن بمبدأ التصفية والاغتيال لخصومها وأعدائها وعليه يمكن اعتبارها ضالعة بالكثير من عمليات الاغتيال التي لم يكشف النقاب بعد عن مرتكبيها، ثم إن العقلية الأميركية مبنية على السلوك العنفي الإرهابي، إذ لامبرر أخلاقياً أو إنسانياً لقتل شخص غير مسلح (كما في حالة بن لادن) بهذه الطريقة العنيفة إذا كان بالإمكان تقديمه للعدالة لمساءلته عن ماينسب إليه من أعمال إرهابية.
كذلك كشفت عملية اغتيال بن لادن أن واشنطن لا تقيم وزنا لسيادة الدول الأخرى حتى المتحالفة معها، كما أنها لا تثق بأصدقائها، وهي تتصرف بنوع من البلطجة والانتهازية والميكيافلية، كما كشفت عملية رمي جثة بن لادن في قاع البحر عن مدى استهتار الأميركيين بالقيم والأديان والشرائع السماوية، إذ لا أحد يصدق أن عناصر المارينز على متن حاملة طائرات أميركية يمكن أن يقوموا بطقوس دينية تجاه جنازة بن لادن، ولا سيما أن من بينهم من هو مدان بقتل أبرياء في أفغانستان لمجرد التسلية والاحتفاظ بأجزاء من أجسادهم على سبيل التذكار.
بالتأكيد لسنا مع بن لادن وتنظيمه ولا نحاول الدفاع عنه، ولا نؤيد الأفكار والسلوكيات التي أساءت للعرب وللمسلمين وجعلتهم أهدافاً لحملات التحريض والكراهية والاعتداء عليهم وانتهاك حقوقهم في العديد من بقاع الأرض من قبل الأميركيين وغيرهم، ولكن هل كان بن لادن وحده يمارس الإرهاب في هذا العالم، ألم تمارسه أميركا في اليابان وكوريا ولاحقاً في فيتنام، ثم ألم تقتل الحرب الأميركية على مايسمى الإرهاب مئات آلاف الأبرياء في أفغانستان والعراق وتدمر عشرات المدن بحجة مطاردة من تصفهم بالإرهابيين.. فمن يوقف الإرهاب الأميركي عند حدوده ويعترض على سلوك الإدارات الأميركية التي تبرر لنفسها ما تريد وتحظر على الآخرين مجرد الدفاع عن أنفسهم وعن حقوقهم..؟!