عدم فهم جوهر ما يطالبون به فنشروا الشعارات الكبيرة فوق تصرفات مرفوضة جملة
وتفصيلاً، ووجدوا في بعض الأدوات الإعلامية الرخيصة بوقاً ينفخون من خلاله
سمومهم ودخانهم لدرجةٍ اعتقد فيها البعض أننا نعيش في (معتقل كبير) وأنه لا مجال
للخروج منه إلا بالزجّ بكامل طيشنا وتهوّرنا وتخريبنا، فأسرجت الفتنة التي أُعدّت لهذا
البلد الآمن جناح القول المنمّق وسهولة وصول النباح عبر الفضائيات ورخص بعض
الذين يتاجرون بالكلمة، الأمر الذي فرض على كل مواطن واع في هذا البلد أن
يمحّص في الأشياء جيداً حتى لا يقع ضحية تغرير إعلامي مدروس..يتحدثون عن (
سلمية الاحتجاجات) وينسون أن الشهداء الذين سقطوا نتيجة إجرامهم هم منّا ومن
أعزّ الناس على قلوبنا، والأسوأ من هذا كلّه أنهم يحاولون إيهام الناس بأن الأمن هو
الذي قتلهم فيا لعار ما يصنعون...
ويتحدثون عن (الحرية) وعند هذه النقطة سنقف لنناقش هذا المصطلح كمفهوم عام
وقيمة إنسانية كبيرة، ونناقشه كشعار يختبئ خلفه المخرّبون مستعينين بما سمعناه ونسمعه
عبر الشاشات وعلى لسان أكثر من طرف، ومن خلال فهم شبابنا له دون أن يتحول
ذلك إلى (استطلاع رأي) ومن خلال دراسات محايدة ومن ثمّ إسقاط كل ما تقدّم على
ما يحدث في سورية من محاولات زعزعة لأمن الوطن والمواطن ومن محاولات سلب
الحرية الشخصية لأبناء هذا الوطن وتحت شعار الحرية أيضاً..
حريتهم وفق نظرتهم تسمح لهم بفعل أي شيء وبالتعبير عن أي شيء وبالطريقة التي
يريدونها، ومن حريتهم حرقهم للمنشآت العامة والاعتداء على مراكز الشرطة والأمن
وامتداد يدهم الآثمة إلى حماة الديار وشتيمة البلد ورموزه والخروج على القانون!
هذه الحرية التي يطالبون بها تسمح لهم بالتعدّي على حرية غيرهم!
حريتهم (منزلة) يتسابق للدفاع عنها من اسموا أنفسهم بالمدافعين عن حقوق الإنسان
السوري أو بالنشطاء السياسيين ولا يجوز لأحد المساس بهذه الحرية ولو من باب
السؤال أو الملاحظة!
يقتلون الأبرياء ويطالبوننا بمباركة أفعالهم، يرفضون حرية من يخالفهم الرأي وعلينا أن
نصفّق لمطالبهم وإن كانت تخريبية فهل هذا معقول وهل يرضى الإنسان السوري بهذا
الأمر؟
هذا الوطن وعبر رأس الهرم فيه السيد الرئيس بشار الأسد عبّر عن احترامه
للتظاهرات المطالبة بالحقوق والداعية إلى الإصلاح والتقينا جميعاً عند هذه القناعة
فكيف كان الرد؟ اعتبروا مسيرات التأييد المليونية للأمن والأمان ولسورية وقائدها
البشار مزيّفة وأنها خرجت بالقوة وأنها مسيرات للمنتفعين من الحكم...الخ.
إن كانت هذه الملايين مزيفة فما أحلى هذا الزيف، وإن كانت تلك الفئة المضللة
والمخربة هي حرية سورية فلا نريد هذه الحرية مع العودة إلى ضرورة التفريق بين
المطالبين بالحقوق وبالإصلاح وبين الذين يحاولون اغتيال هذه الإصلاحات وتخريب
البلد..
شاهد العيان أصبح من وجهة نظرهم أهم من أي مصدر حكومي رسمي في سورية!
أصبح الشاهد العيان هو مصدر كل المعلومات عن الأحداث في سورية، أما حديث
رئيس الدولة عن إصلاحات فهو موضع تشكيك من وجهة نظرهم فأعوذ بالله من شر
الشيطان الرجيم!
ما تقدّم ليس إلا دمجاً واختزالاً لآراء الكثيرين من شبابنا الذين التقيناهم أو سمعناهم
عبر المنابر الإعلامية حاولت من خلاله تشكيل المدخل المناسب لما علينا استيعابه جيداً
خاصة في هذه الظروف التي وتّرتنا بعض الشيء...
في عام 2004 نشرت سلسلة عالم المعرفة كتاباً طويلاً بعنوان (التنمية حرية) تأليف
أمارتيا صن وترجمة شوقي جلال وقال المؤلف في هذه الدراسة (إن علاقة الحرية
بالمسؤولية علاقة في الاتجاهين معاً، وغني عن البيان أن المرء من دون حرية موضوعية
ومن دون قدرة على عمل شيء لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن عمل أي شيء، ولكن
توافر الحرية والقدرة معاً لعمل شيء ما في الواقع العملي يعني أننا نفرض حتى على
الإنسان واجباً بأن يفكر فيما إذا كان ينجز هذا العمل أم لا وهذا يتضمن بطبيعة الحال
مسؤولية فردية، وهنا تكون الحرية ضرورية وكافية للمسؤولية).
وكما نقرأ في كلام أمارتيا صن فقد اقترنت الحرية بالمسؤولية وهذا ما غاب عن
الكثيرين ممن يختبئون خلف شعار الحرية فنسوا مسؤولياتهم تجاه بلدهم وتجاه مؤسسات
بلدهم بل على العكس فقد أمعنوا فيها عبثاً وفساداً وبالتالي تحوّلت الحرية التي يطالبون
بها إلى حجة عليهم، كما أن التغنّي بالحرية من قبل شريحة معينة لا يلغي حرية الآخر، إذ
تعيب هذه الفئة على أكثر من 90% من الشعب السوري ولاءهم للدولة وللسيد
الرئيس بشار الأسد فهل حريتهم ملكهم في الفوضى والعبث وحريتنا ملكهم أيضاً
يرسمونها على مزاجهم!
وكما أن المسؤولية هي لباس الحرية فإن الحرية تنتج المسؤولية وعلينا في هذه المواقف
الصعبة أن نتذكر مسؤولياتنا تجاه بلدنا وفي مقدمتها حماية هذا البلد والدفاع عن
إنجازات سنين طوال من الاستقلال وحتى الآن، والمطالبة بالحرية تدخل قاموس القداسة
عندنا شرط أن تقترن بالمسؤولية ولا تتجاوز حرية الآخرين...
شباب سورية يعون هذه الأمور جيداً، ولئن خرجت بعض التصرفات على النصّ فإننا
نستوعب الحالة الانفعالية للبعض وندعو كلّ من أخطأ التصرف إلى إعادة النظر بما فعل
فالوطن كالأم لا يقسو على أبنائه وأجمل لحظاته هي تلك التي يجد فيها جميع هؤلاء
الأبناء في حضنه وفي حقوله ومعامله وفي مطالع أغنياته...
لقد تعلّمنا وقرأنا في دفتر الوطن أن الوطنية تعني أن يلتقي الجميع عند حبّ الوطن
والدفاع عنه وإن اختلفت طرق التعبير عن هذا الحبّ أو تباينت وسائل الدفاع عنه،
أما اليد العابثة بأي لوحة جميلة في هذا البلد فمصيرها البتر إن لم ترتد إلى صراط الوطن
المستقيم...
أحد الشباب الذين التقيتهم قال لي بالحرف الواحد: كنتُ من أكثر الناس المحتجين على
الوضع في سورية وما فيه من فساد إداري وقلّة فرص عمل وضعف أجور وغير ذلك
لكن كلّ هذه المطالب تلاشت أمام نعمة كبيرة لم نكن نعرف قيمتها وهي الأمان، فهل
لكم أن تستعيدوا جميعاً ما كنّا فيه قبل 14 آذار وما يحاول البعض إلقاءنا إليه حتى
الآن؟
يثق شبابنا، ونثق بما يثقون به، بأن هذه الغيمة ستمرّ دون أي أثر كبير لكن الدرس كان
بليغاً كما أشار الكثيرون وخاصة في مجال إعادة النظر بالبطانة الداخلية للعديد من
الجهات العامة والتي وضعها الشباب في قفص الاتهام من خلال تهاونها – حسب رأيهم
– في عملية المحاسبة ومراقبة سلوك وعمل البعض فيها ما جعل الكثيرين يقعون في فخّ
الشعارات الكبيرة التي أطلقها المحتجون...
يصرّ الشباب الذين حاورناهم على أكثر من قضية يجب التعامل معها بحكمة في قادمات
الأيام خاصة مع بداية عمل الحكومة الجديدة وفي مقدمتها عملية الفرز النوعي للعاملين
في الدولة وألا تبقى الوظيفة مجرد تسجيل حضور وقبض رواتب بل أن تحضر مفردات
المراقبة الصارمة والمحاسبة الوطنية المسؤولة لعمل كلّ منا لأن ما يهدر من مال هو مالنا
وما يتعطل من عمل فهو لأجلنا ومن لا يريد العمل عليه أن يفسح المجال لمن يتقدّ حماسة
وغيرية على هذا البلد..