يوم الجمعة هو اليوم الذي تزينه فرحة تناول صحن الفول مع الفلافل مع من نحب مجتمعين لكن تلك الجمعة لم ولن تشبهها أي جمعة، تلك الجمعة سادها صمت طغى على كل الألحان لونها باهت طغى على كل الألوان، قلبت فيها الفرحة إلى ترقب وانتظار وحيرة.
و هكذا تتالت الأيام لتصبح كلها الجمعة صمتاً ولوناً وترقباً... في إحدى الجمعات مررت في شارع شهدت فيه منظراً غريباً، كل الوجوه العابرة التي مرت أمامي هي وجه واجه، ملامح واحدة تتربع على عرش الوجوه، قد يرتسم على بعض تلك الوجوه ضحكة لكنها خجولة، حزينة، مجروحة.. شعور الذنب يتآكل من يتجرأ رسمها على محياه، تحرق تلك الضحكة غصة لتحيلها دموعاً لمن لا حول له ولا قوة في جمعة الوطن قال لي أحدهم عن الوطن:
الوطن لا يشبه أي شيء ويشبه كل شيء... هو رائحة أم تعيد لنا الحياة بعد طول غياب في تابوت الغربة.. الوطن لي وأنا له، عندما أتنشق هواءه بعبير ياسمينه ويتنشق هو أنفاسي تتشكل بيننا رابطة لا تشبهها رابطة إلا رابطة المؤمن بربه، الوطن لي عندما أرتوي من مائه وأنا له عندما أرويه من دمائي.
الوطن هو شجرة زيتون لفلاح عندما زرعها علم أنه لن يزرع مجرد شجرة، علم أنه يزرع جذوراً أغلى من ابن أو أخ أو روح، علم أنه يخط سطراً جديداً بتاريخ ذلك الوطن.
الوطن الذي نعيش فيه إذا أراد أن يتكلم فسيجد حناجرنا صوتاً له وإذا أراد أن يحمينا فسنكون نحن حماة له.
في جمعة الوطن يقف هناك وحيداً تشرق شمس عينيه المترصدتين كنسر يعشق الفضاء، يحضن بزنوده السمر بندقيته ، يحضنها بشوق كأنه يرى فيها أمه التي قد يعود إليها شهيداً.
في جمعة الوطن- في كل يوم من أيام الوطن- بات ليلنا صديق نهارنا ولم نعد نهاب ما قد يتكشف عن سواد ليلنا ، ففي الوطن عيون ترقب، في الوطن يطغى عبق تلك البزات العسكرية على كل روائح الخيانة التي تترصد ذلك الوطن.
في سورية.. بات لحن يوم الجمعة زغاريد أمهات تزف أبناءها شهداء للوطن بات لون الجمعة أحمر قانياً يزف فجراً جديداً للوطن، فجر حرية الوطن.
باتت الفرحة التي تزين يوم الجمعة هي فرحة الوطن باحتضان أجساد شهدائه بشوق بعد طول انتظار.
كل شيء إلى زوال إلا الوطن الذي يكبر في داخلنا مع مرور كل يوم.