ومن بواكير هذا الدور هو المصالحة الفلسطينية التي انعقدت في القاهرة.. رغماً عن أنوف الإسرائيليين الذين استشاطوا غضباً من جراء هذه المصالحة حيث ذهب الأمر بهم إلى التهديد بإعادة احتلال الضفة الغربية وإعاقة المعونات الواردة للسلطة من الخارج ويسجل لثورة مصر الكثير من النجاحات في الداخل والتي يؤمل أن تتواصل بالوتيرة الهادئة والواعية والهادفة على طريق استعادة مصر نفسها ودورها وحضورها وفاعليتها ووزنها في منطقة خسرت الكثير من قيمتها وتوازنها وقوتها عندما ضعف دور أرض الكنانة بفعل سياسات العهد السابق وماسبقه أيضاً ثمة متغيرات حصلت ستلهيها على الطريق عن طريق الولادة أو عن طريق الاستيلاد. الولادة الطبيعية المتدرجة أو الاستيلاد عبر حركة الشباب وضغطها ، كما فعلوا غير مرة عندما وجدوا أن هناك تباطؤاً أو محاولة تسويف قبل أن يسقط النظام في أيامه الأخيرة وفي المرحلة التي تلت أفوله.. ماأنجزته ثورة مصر كان وطنياً وقومياً بامتياز، فالمصالحة التي تعطلت أو عطلت بفعل مابعدها على صعيد الوضع الفلسطيني خصوصاً والصراع العربي الصهيوني بشكل عام في مصر، والأمل أن يشكل ذلك رافعة للقضايا القومية لإعادة الاعتبار لدور مصر في الصراع العربي الصهيوني. باعتباره صراعاً وجودياً لأن ذلك كفيل بأن يقض مضاجع العدو الإسرائيلي.
يشكل الدور المصري في إتمام المصالحة الفلسطينية وتالياً في فتح معبر رفح بما يكسر مفاعيل الحصار على قطاع غزة ركيزة أساسية في رسم ملامح المرحلة المقبلة- مرحلة يرجو كل حريص على هذه الأمة أن تستعيد فيها هذه الأمة مناعتها ومنعتها وحصانتها ضد كل من يتربص بها شراً.
دور مصر الجديد الذي يتشكل سيعيد ل (أم الدنيا) دور الشقيق الأكبر لكل الدول العربية والمدخل إلى هذا الدور هو من فلسطين هذا ماعزم عليه القادة الجدد للنظام المتشكل حديثاً والبداية بالمصالحة التي جاءت موافقة الأطراف عليها أساساً كمحاولة للقيادة الجديدة في ظل التحولات الجارية في المنطقة، فتح من جهتها وهي ترى الانشغال العربي بالمعارك الجانبية تريد الإبقاء على المكسب المصري فكانت موافقتها السريعة على الاتفاق.
وحماس أيضاً وهي المتوجسة من الوضع القائم أيضاً سارعت إلى قبول التسوية رغم أن مسؤوليها في السابق كانوا يؤكدون أن الخلافات أكبر من مجرد ملاحظات وهي مرتبطة بالخيارات السياسية..
وفجأة اختفت الخلافات وفتح باب التصالح على مصراعيه ومصر دخلت بقوة إلى الدور العربي وقرار فتح الحدود مع قطاع غزة سيحول الأنظار مجدداً إلى القاهرة باعتبارها القوة العربية الخارجة من رحم سنوات الانكفاء والخروج من الصراع، ومن المؤكد أن الدور المصري لن يقف عند هذا الحد في الأيام المقبلة، سيتبلور الدور المصري من ملفات أخرى حتى وإن كانت القاهرة لاتزال في طور المرحلة الانتقالية إلا أن أي فريق سيستلم الحكم لم يعد باستطاعته الخروج عن الرغبات الشعبية المصرية التواقة إلى استعادة الدور والتأثير الذي كان للقاهرة في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
الكثير ينتظر موقف مصر من بؤر التوتر العربية والشرق أوسطية ولاسيما في العلاقات مع إيران حيث غلبت لهجة الهدوء بين الجانبين وفي علاقتها مع السودان والعمق الاستراتيجي لمصر وعودة العلاقات إلى طبيعتها مع سورية وبلدان حوض النيل وعلى صعيد علاقتها بالكيان الإسرائيلي فيكفي أن نشير إلى عزم مصر فتح ملف اتفاقية الغاز الموقعة معه بالشروط المجحفة.
هكذا يبدو لنا أن عودة مصر للعب دورها التاريخي المرجو منها سيعم بالخير والفائدة على شعب مصر بالمقام الأول والمنطقة العربية بالمقام الثاني حيث لا انفصام بين الدورين...