قبل أن يدفع به إلى المطبعة في العام الماضي (2010) ولعل الدكتور معن يملك عذراً لتبرير هذا التأخير, إذ إن كتابه النفيس هذا هو سلسلة من المحاضرات ألقاها خلال عشر سنوات (1999-2009) في مختلف المحافظات السورية.
وهكذا فالكتاب المذكور جاء محتوياً زبدة أفكار المؤلف ضمن سبع عشرة محاضرة متسلسلة في الزمان والمكان، وبالرغم من أن عنوان الكتاب (سورية الله حاميها) يعطي الانطباع أن المحاضرات التي حواها تتحدث عن سورية حصراً، فإن قراءة الكتاب تثبت أنه يحاول إرساء ثقافة وطنية- قومية- إسلامية وإنسانية شاملة.
- ولتقريب المواضيع التي حواها هذا الكتاب إلى أذهان القراء نقول إنه بوسعنا أن نصنّف المحاضرات السبع عشرة التي حواها في خمسة محاور، وذلك ضمن المسميات التالية، علماً أن هذا التصنيف لاينفي وجود بعض التداخل في المعلومات بين المحور والآخر بحسب ذهنيته وطريقته في الشرح:
أولاً: محاضرات في الفكر الوطني: ويضم المحاضرات التي تحمل العناوين التالية:
-الحكمة في فكر الرئيس القائد حافظ الأسد (ص13)- الهوية والانتماء في ظل بعض القضايا الساخنة (ص41)- سورية اليوم قائداً وشعباً (ص107)- استراتيجية السياسة السورية في ظل عالم متغير (ص127)- الحوار الحضاري: سورية الأنموذج (ص141)- تاريخ الجولان وآثاره (ص 171) السيادة الوطنية: سورية أنموذجاً (ص183)- 2008: عام سورية بامتياز (ص191)- الضمير الحي بين الضرورة الوطنية والواجب الروحي (ص239)..
ثانياً: محاضرات في الفكر القومي: ويضم المحاضرات التي تحمل العناوين التالية:
- الجانب القومي عند الأمير سيف الدولة الحمداني (ص59).
-المقاومة الوطنية اللبنانية (ص75) - النهج المقاوم زمن الانتصارات: عزة هاشم أنموذجاً (ص205).
-تاريخ المقاومة الفلسطينية (ص223)- فلسطين في نهج القائد حافظ الأسد (ص229).
ثالثاً: محاضرات ذات طابع إسلامي: ومن هذه المحاضرات:
- أضواء على نظرية الخلق في الفكر الإسلامي (ص27).
-أبو نصر الفارابي: فيلسوف العرب والإسلام (ص153).
-أنتَ حرّ-إذا لم تضر: رداً على محاولة الإساءة للرسول الكريم (ص97).
رابعاً: المحور الدولي- العالمي: ويضم المحاضرات التالية:
-استراتيجية السياسة السورية في ظل عالم متغير (ص127)- الحوار الحضاري: سورية الأنموذج (ص 141)- السيادة الوطنية: سورية أنموذجاً (ص183).
خامساً: المحور الأخلاقي- الفلسفي- الإنساني: ولا تختص محاضرات بعينها بهذا المحور حيث نجد معطياته موزعة على أغلب المحاضرات التي جاء ذكرها في المحاور الأربعة السابق ذكرها أعلاه، وخاصة في المحاضرات التالية: (الضمير الحي بين الضرورة الوطنية والواجب الروحي- أبو نصر الفارابي فيلسوف السعادة- أنتَ حر إذا لم تضر- الحوار الحضاري).
والشيء الذي يحمد للكاتب والصديق الدكتور معن صلاح الدين علي هو احترامه لأصدقائه وأساتذته ولمبدأ حقوق الملكية الأدبية، فحيثما كانت الحالة تتعلق بندوة مشتركة كان يذكر أسماء المشاركين فيها جميعاً، وحيثما وجد مفكراً أو رجل علم قدّم لمحاضرة ما، فإنه يذكر اسمه ومقدار مشاركته، وهكذا فقد ذكر أسماء الأساتذة: الدكتور سهيل زكار- الأستاذ محمد حطاب- الأستاذ جمال الجيش- الدكتور محمد حبش- الأستاذ فؤاد القشّا- الشيخ صلاح الدين علي الحارة- الدكتور عبد السلام راجح- الأستاذ أحمد عبد الكريم- الأستاذ عادل حلواني.. الخ.
كما أفرد مساحة خاصة لذكر مقدمة الكتاب بقلم المفكر القومي المعروف محمد قجة وذكر اسم مخرجة الكتاب لينا محمد- ومصمم الغلاف محمد أبو الخيل، ومدققي الكتاب من الناحية اللغوية السادة طاهر شيخ داود صالح، وعلي صلاح الدين علي، وغزوان أحمد سعيد الحارة.
تحليل: من المحال طبعاً إعطاء تحليل موضوعي لمحتويات هذا الكتاب بكامله، كما أنه من غير المقبول أن نكتفي بذكر مشتملات الكتاب شكلاً دون بحثها موضوعاً.
ولهذا ارتأينا محاولة مسك العصا من وسطها وتقديم تحليل موضوعي لواحدة من المحاضرات بعينها وهي المحاضرة التي تحمل عنوان «الهوية والانتماء في ظل بعض القضايا الساخنة»، وكان مؤلف الكتاب- الدكتور معن صلاح الدين علي- قد ألقاها في مكتبة الأسد بدمشق يوم 21/1/2009 بعد أن قدّمه للجمهور الدكتور محمد حبش عضو مجلس الشعب السوري.
تتصف هذه المحاضرة- حسب رأينا الشخصي المتواضع- ببعدها الفكري بشكل لافت من حيث موضوعها، كما أن الكاتب اتبع فيها من حيث الشكل منهجية علمية صارمة فبدأ بمدخل عام عرّف فيه «الهوية» وأهميتها في حياة الأمم من حيث خلق العاطفة الوطنية والقومية وترسيخ «الانتماء» تجاه الشعب والأمة.
وهكذا يعرّف الكاتب «الهوية» بأنها «تجسيد لمجموعة من السمات الثقافية والنفسية والاجتماعية وغيرها التي تتصف بها جماعة من الناس، تولّد الإحساس لدى أفرادها بالانتماء إلى شعب معين والارتباط بوطن معين، والتعبير عن مشاعر الاعتزاز والافتخار بالشعب الذي ينتمي إليه هؤلاء الأفراد» (ص42 من الكتاب).
وعلى سبيل المثال فإن الهوية العربية هي «الانتماء إلى لغتنا العربية وتاريخنا العربي وأرضنا العربية فهي تبرز من خلال مستويات معينة، ولكن يبقى للغة الدور الأكبر في حمل الهوية لأنها تقوم بوظيفة أساسية في تكوين نظام اجتماعي وثقافي معين».
وبهذا تكون العلاقة بين مفهومي «الهوية» و«الانتماء» مثل العلاقة بين (القومية) و(المبدأ القومي) من حيث إن المفهوم الأول «الهوية القومية» هو مفهوم نظري (ستاتيكي)، بينما المفهوم الثاني «الانتماء، المذهب القومي» هو وضع للمفهوم الأول بحالة الديناميكية والعمل، ويذكر المؤلف هنا قولاً حكيماً للدكتور محمود السيد (دون أن يحدد المرجع الذي قال فيه) وهو: «مادامت الهوية تتضمن الانتماء كان التعبير عن الهوية والانتماء لايتمثل في القول وحده وإنما بالممارسة والفعل والأداء، فالانتماء الوطني (أو القومي) سلوك وممارسة وأداء وليس قولاً فقط.
-وبعد هذا «المدخل» الموفق إلى موضوع المحاضرة ينتقل الدكتور معن صلاح الدين من العام إلى الخاص حيث يذكر مفهوم «الهوية العربية» ويحدد هذا المفهوم من طريق تعريفه، ونذكر هنا أن «التعريف» في اللغات الأجنبية، الذي يُعبر عنه غالباً بلفظ «definition» يعني «التحديد» أيضاً.
وأول مايهم المؤلف هنا هو الرد على بعض الكُتّاب والمنظرين الغربيين، وخاصة ذلك المدعو «صامويل هنتنغتون» في كتابه «صراع الحضارات» من حيث إن العروبة كمفهوم ستاتيكي، والقومية العربية كمفهوم ديناميكي ليستا بتاتاً حركتين عرقيتين أو عنصريتين، وإنما هما مفهومان حضاريان بوسعهما استيعاب كل الثقافات في إطار «حوار الحضارات» لا «صراع الحضارات»، وهكذا فالمفهوم العرقي الشوفيني نجده لدى بعض مفكري الغرب، بينما العروبة والقومية العربية بريئتان منه.
-ثم ينتقل المؤلف لذكر بعض التيارات السلبية الخارجية التي تقف في وجه تفعيل «الهوية العربية والانتماء لها»، وخاصة «الغزو الثقافي» (الكتاب ص48)، وكذلك «العولمة» و«مفهوم الشرق أوسطية» (الكتاب ص 52)، وبعد ذلك يتطرق الدكتور معن صلاح الدين علي إلى ذكر بعض التحديات الداخلية التي تقف في وجه ترسيخ الهوية والانتماء العربي فيذكر نوعين منها وهما «التكنولوجيا والتقنية» من جهة، و«الانفجار السكاني» من جهة ثانية، وفاته أن يذكر «الخلافات العربية- العربية» كعائق ثالث، ولعله لم يذكرها قصداً لعدم تشويه النظرة إلى الأمة العربية في أحوالها الراهنة (صدر الكتاب عام 201٠، وتم توزيعه في الربع الأول من عام 2011).
وينهي المؤلف محاضرته هذه بفقرة خامسة تحت عنوان «الهوية العربية والإعلام المعاصر» وفيها يتبين قوة الإعلام الأميركي والغربي بشكل عام، وتأثيره المدمّر على القضايا العربية، وعلى رأسها قضية «الانتماء» إلى الهوية العربية»، وضرورة تمكين الإعلام العربي من أداء دوره في ترسيخ هذا الانتماء، والوقوف في وجه الدعوات الإعلامية الغربية المشبوهة، وخاصة تلك الموجهة إلى فئة الشبيبة في البلدان العربية والإسلامية.