و بالمقابل قامت ثقافة الوحدة وتحرير الارادة العربية من السيطرة الاجنبية لاستعادة الامة موقعها, و تتجدد اليوم محاولات تقسيم المقسّم. اذ بعد إنجاز تقسيم السودان، و إرساء واقع تقسيمي في العراق، يتوجه المخطط إلى ليبيا فينشئ بيئة أمنية وسياسية ستقود على الأغلب إلى تقسيم الدولة أما اليمن فانه لايزال يتقلب في عدم استقرار تحتمل مخاطر التقسيم أيضاً. يجري ذلك للاسف بمساعدة يد عربية و كأن العرب لم يتعظوا بما كان من شأن الشريف حسين والحلفاء الغربيين في مطلع القرن الماضي حيث استعان بهم «لتحرير البلاد من العثمانيين»، فآلت بلادهم الى المستعمر .
يجري ذلك مع ان في العرب من المفكرين والباحثين من يوثق بعلمهم وفكرهم و قدراتهم على تبيان الخطة الاجنبية لتقسيم بلدانهم وتفتيتها، وأكثر غرابة أن نجد بعض هؤلاء ينظرون لحق الفئة وحق الطائفة وحق المنطقة، وينسون حق الأمة في الأصل، فاذا كان للفرد حق نقرّ به جميعاً ويجب ان يتمتع به كانسان ومواطن، فإن للأمة معه حقاً بوحدتها وكرامتها وسيادتها ولا يكون ممكنا للفرد أن يتمتع بحقوقه إن لم تكن أمته مالكة تلك الحقوق فلا فرد سيداً في أمة فاقدة السيادة ولا مواطن حراً في أمة مسلوبة الحرية.
وهنا نصل إلى بيت القصيد ونسأل اولئك الذين يذهبون للمستعمر مطالبين بالحرية، فيدعونه للعودة اليهم واحتلال بلدانهم تحت شعار حماية المدنيين ، لا يمكن أن نفهم كيف ان الحلف الاطلسي سيحرر الانسان الليبي مثلاً ويحميه، ولا يمكن أن نفهم كيف أن بريطانيا التي كانت العقل المدبر لمآسي العرب منذ مطلع القرن العشرين (معاهدة سايكس بيكو)، هي نفسها التي يستعان بها اليوم عبر الفرع السادس للمخابرات البريطانية، لتحصيل حقوق السوريين في دولتهم .
لقد اعتاد الغرب على قمع حركات التحرر والكيد لها عبر نصب الافخاخ التي تجهضها أو تشوه سمعتها، فأنشأ في موازاة المقاومة التحريرية الحركات الارهابية التخريبية لضرب المقاومة وقتل شعبها، وبمواجهة الثورات الشعبية التي انطلقت ضد الانظمة المرتمية في حضن الغرب اطلقت حركات التمرد والتخريب ضد الانظمة المقاومة الممانعة حتى تتساوى هذه بتلك فإن قبل الكل ونجح ارتاح الغرب من الأنظمة الممانعة وإن أنكر الكل وسقط حمى الغرب الأنظمة التابعة له .
من هنا نفهم الهجوم على سورية، التي أظهرت دراسات غربية أخيرة أن نظامها القائم يشكل إعاقة للمشروع الغربي بسبب قوته المستمدة من اعتماده المصلحة القومية أولوية عليا وعقد التحالفات الاستراتيجية لتحقيقه، والتزامه بمواطنية الدرجة الواحدة من غير تمييز بين الطوائف والاعراق، وأخذه بعلمانية منفتحة على العصر تستفيد من ثورته العلمية. هجوم يرمي الى تقسيم سورية أعراقاً و طوائف تتناحر، وإقامة حكام على «الدويلات الناشئة» يحرسون المصالح الغربية ويحكمون بذهنية الجاهلية والفكر المتحجر المتنكر للعصر المشوه للدين.
يريدونه تقسيماً مترافقاً مع تهجير على أساس طائفي و عرقي يصلح «الخطأ الفرنسي» الذي أبقى سورية دولة قائمة على مساحة واسعة تمنحها الموقع الاستراتيجي الوسط بين دول المشرق العربي حاضنة كل الطوائف والاعراق مقدمة المثل النقيض لاسرائيل – الدولة العنصرية – ومن هنا تبدو أهمية ما تحقق في سورية من مواجهة الخطة التدميرية، اهمية تجاوز سورية الى العرب كلهم والمنطقة لأن تخطي الأزمة - بات واضحاً - لن ينحصر في مفاعيله في سورية.
لهذا نرى أن الإنجاز السوري هذا هو ملك للجميع. وعلى الجميع حمايته، حماية تكون باحتضانه، بمتابعة الاصلاح الذي يعطل الذرائع، وبمزيد من الوعي الذي يمنع الفتنة.