فلسطين لم تكن أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض، بل إن شعباً كان يسكنها ولم يتركها طوعاً بل طرد منها وأصبح بمعظمه لاجئاً».
ووعد بلفور لم يكن وليد 1917، بل سعت الحركة الصهيونية إلى الحصول عليه من ألمانيا وروسيا والدولة العثمانية، ولكن الخيار أخيراً وقع على بريطانيا التي نظرت« بعين العطف لإنشاء وطن قومي لليهود». لكن هذا الوعد احتاج إلى التطبيق والدعم، وحتى بعد قيام إسرائيل لاتزال حتى أيامنا هذه تحتاج إلى الرعاية كي تستمر وتستأنف مشروعها.
والأحداث الحالية في سورية وفي غير مكان عربي، إنما خطط لها خدمة لإسرائيل وللمصالح الغربية، واليوم تظهر صاحبة« الوعد» بجهاز استخباراتها العسكرية/M16/ ، حسبما قال ميشيل غوسودفسكي بدعم حركات متطرفة وإرهابية تسمى نفسها معارضة تنبري بين لحظة وأخرى على الفضائيات للقيام بعمليات التحريض، حيث تساهم معها تلك الوسائل الإعلامية بعملية التضليل وتركيب الصور، ولاسيما ب ب سي البريطانية وغيرها، لتحرض باسم الدين على الفتنة الطائفية والقتل وتدمير المنشآت العامة والخاصة باسم«الجهاد» مادامت سورية تعادي الإمبريالية إضافة إلى رغبتها في ردع إسرائيل،وخاصة أن سورية تمثل الدولة العلمانية المستقلة الأخيرة في العالم العربي الراهن: ونشير هنا إلى أن ما قاله الأسقف وليم هشلر عام 1880 عندما تبنى فكرة أن « المشروع الصهيوني هو مشروع إلهي، وأن العمل على تحقيقه يستجيب لتعاليم التوراة».
ولكن أليس ثمة اعتقاد وطيد، ورغم محنة العقل العربي الآن، بأن النصر على الفكر الصهيوني ليس مستحيلاً بدلالة نصر لبنان 2006 وغزة 2009، فغدا المطلوب من سورية « معقل المقاومة» الاستسلام حماية لإسرائيل كي لا تنظر بريطانيا صاحبة وعد بلفور« أو الغرب» بعين « الحزن على إسرائيل؟ «ألم يقل بن غوريون « هؤلاء في دمشق لا يتركونني أنام جيداً» في الستينات، وقد اعترفت « معاريف» قبل أيام أن إسرائيل لن ترتاح مادامت سورية تعيش« وحدة وطنية» ولذلك يستخدمون الحروب القذرة في بلدنا سورية بناء على خطة هنري كيسنجر الذي رأى بعد حرب تشرين 1973 ضرورة إزالة خطر سورية والمقاومة وتحويل البلدان العربية التي شاركت فيها إلى شظايا.
وأثبتت الأحداث في العقود الستة الماضية بحسب باسكال بونيفاس صاحب كتاب« أيمكن انتقاد إسرائيل» أن كل المصائب التي تحيط بالعالم العربي سببها بشكل أو بآخر تناقض الغرب مع « منظومة قيمه» واستمراره بدعم إسرائيل، رأس حربته في المنطقة، وقد قال ونستون تشرشل بعد« كتابه الأبيض» عام 1922« تخلصنا من السرطان اليهودي ورميناه في حلوق العرب» بينما تقول الدولة الغربية اليوم في معظمها إن« أمن إسرائيل حليفتنا خط أحمر» لأن «وعد بلفور» لم يكتمل بعد وخاصة أن صهاينة من أمثال إبراهام بورغ رئيس الكنيست السابق- يعلن صراحة« نهاية الصهيونية» في مقال له لأن إسرائيل مازالت دون حدود نهائية « طمعاً بالتوسع» وتنقصها عاصمة معترف بها« رغبة في الاستيلاء على القدس» وتهجير الفلسطينيين منها وإتمام فكرة الترانسفير التي هي أساس أسطورة أرض الميعاد، ويعترف هنا المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس بأن تهجيرهم لم يكن طواعية لأنهم باعوا أرضهم لليهود مثلما زعم بن غوريون.
وفكرة « نهاية الإيديولوجية الصهيونية» إضافة إلى آثار الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة، دفعت شمعون بيرز إلى وضع مشروع الشرق الأوسط لإنقاذ إسرائيل من الموت، فتمنى لها توسعاً اقتصادياً وسياسياً وثقافياً بدلاً من التوسع الجغرافي الذي بدا مستحيلاً، منبهاً من المقاومة ومن سورية وإيران ومن الخلل في التوازن السكاني بين اليهود والفلسطينيين في أراضي 1948.
وبعد مرور 63 عاماً على احتلال فلسطين وطرد سكانها، يستمر الإرهاب الإسرائيلي بحقهم، وتستمر خطط ضرب استقرار الدول العربية بالحروب الأهلية، كي تخرج إسرائيل من مآزقها وكي يتوطد الفكر الصهيوني مهيمناً على العالم العربي، تلك الصهيونية التي قال عنها جورج واشنطن:« إن اليهود يعملون ضدنا في أميركا ويمثلون خطورة على حريتنا» ووافقه بنيامين فرانكلين عندما قال: أنا موافق على ما قاله الرئيس ويجب حماية الشعب الأميركي من خطرهم». ولكن أمنيات الرئيسين لم تتحقق لأن أميركا اليوم ترزح تحت المنظمات الصهيونية المتحكمة بالقرار الأميركي.
وحقيقة إن ما جرى عام 1948 كان تطهيراً عرقياً نفذته العصابات الصهيونية بنظام فصل عنصري من خلال مئات المجازر التي تباهى بها مناحيم بيغن الذي دبر مذبحتي دير ياسين والطنطورة عام 1948 حيث قال:« زرعنا الخوف في نفوس العرب فهربوا من ديارهم».
وهذا الإرهاب العاتي هو سبب المأساة العالقة، وإن اعترفت دول كثيرة بحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم على حدود 1967، وهو الأمر الذي ستدعى الأمم المتحدة إلى إقراره في وقت قريب ، ولكن ازدواجية المعايير لدى الغرب ستقف عائقاً،على أن هناك دعوة من أحرار فلسطين، للسير في هذه الأيام نحو الأراضي المحتلة لإرغام إسرائيل على القبول بدولة فلسطينية عاصمتها القدس في الوقت القريب الذي نجد فيه إسرائيل تسعى فيه إلى تغيير التركيبة السكانية فيها لمصلحة اليهود وفصل الضفة الغربية عن شمالها لمنع قيام دولة فلسطينية وتبديد حق العودة إضافة إلى القرارات الهادفة لطرد فلسطينيي الضفة الغربية ولاسيما القرار 1650 لبناء دولة يهودية ليفرض عليهم إما القبول بالقوانين العنصرية وإما الرحيل طبقاً لما جاء في وعد بلفور:« دولة للشعب اليهودي فقط أو وطن قومي لهم» ويؤكد ذلك آلن غريش بقوله إن: «الصهيونية استعمار لا يريد سكاناً أصليين.
وإسرائيل التي تحتفل بمرور 63 عاماً على قيامها والرافضة لفكرة حل الدولتين ، تشهد تحللاً في منظومتها، حسبما يقول الوزير السابق أمنون روبنشتاين الذي يصف تآكلها بسبب انتشار الفساد فيها وميل شبانها إلى عدم التضحية في سبيلها، وردع حركات المقاومة العربية لمشاريعها.
وما يؤسف أن ثمة دولاً عربية تتماهى مع سياسات إسرائيل ومع سياسات الغرب خدمة لمصالح إسرائيل بشكل ما، وكل ذلك لطمس القضية الأساس«قضية فلسطين» وتكريس إلغاء الهوية العربية ومسح العقل العربي الجمعي.