هذه الرحلةيوزعها الدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت بين ثلاث مراحل هي: «النكبة» التي اقترنت باستيلاء الصهاينة بالقوة المسلحة على 78٪ من أرض فلسطين وأقاموا عليها عام 48 دولتهم و«النكسة» التي أتمت فيها /إسرائيل/ سيطرتها على كامل الأراضي الفلسطينية عام 67 والهلكة التي بدأت باتفاق أوسلو 93 وهي المستمرة إلى الآن، والتي عملت فيها على تقنين اخضاع الفلسطينيين واضفاء الشرعية على الأراضي التي احتلتها عام 67.
خلال السبع عشرة سنة الأخيرة تحركت «إسرائيل» على أربعة مستويات الأول، استمرار التفاوض مع القيادة الفلسطينية لكسب الوقت والحصول على المزيد من التنازلات -الثاني تدمير المقاومة الفلسطينية من خلال التصفية الجسدية والاجتياحات- الثالث التمدد على الأرض من خلال الاستيطان وإقامة السور الذي ابتلع المزيد من الأراضي-الرابع اختراق العالم العربي من خلال التطبيع المعلن وغير المعلن.
طوال هذه السنوات تعددت المشاريع والمبادرات والخطط التي طرحت لتسوية الموقف والبحث عن حل«نهائي» للقضايا العالقة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» وكان آخرها «خريطة الطريق» التي طرحتها الإدارة الأميركية عام 2003، ورؤية بوش 2004 التي تبنت فكرة إقامة الدولتين الفلسطينية إلى «الإسرائيلية» خلال الفترة ذاتها حدثت ثلاثة تطورات مهمة في الساحة العربية، أولها: الإعلان الرسمي عن اعتبار السلام خياراً استراتيجياً للعرب في تعاملهم مع «إسرائيل» خياراً وحيداً إن شئتم الدقة- وثانيها إعلان المبادرة العربية قمة بيروت 2002 التي عرض فيها القادة العرب والاعتراف والتطبيع الكامل مع إسرائيل في مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 67 ثالثها: إعادة اصطفاف الدول العربية وانقسامها إلى «معتدلة» وأخرى «ممانعة» الأولى تعتبر أن إيران هي العدو وليس «إسرائيل» والثانية على العكس ترى في «إسرائيل» العدو الحقيقي وليس إيران. ولأن الدول الأولى هي الأكبر عدداً والأقرب إلى الولايات المتحدة و«إسرائيل» فإن ذلك أدى إلى تهميش القضية الفلسطينية وتراجع أولويتها عربياً، كما أن الموقف العربي أدى إلى طمأنة «إسرائيل» استراتيجياً إذ لم يعد يقلقها في العالم العربي سوى الموقف السوري الممانع فحكاية السلام كخيار استراتيجي أراحتها كثيراً ورفضها المبادرة العربية لم يغضب الدول التي تبنتها ، وحين انطلت على العرب حكاية الانقسام تلك فإن ذلك بعث برسالة تقول إن بعض العواصم العربية لم تعد ترى في «إسرائيل الخطر الأول» وإذا ما أضفنا إلى ماسبق انقسام الصف الفلسطيني بين فتح وحماس، فإن ذلك وفر لها فرصة لاتعوض سواء مماطلة الطرف الفلسطيني المفاوض لها، الذي صار أضعف ولم يعد يمثل اجماعاً فلسطينياً أو للاستفراد بعناصر المقاومة في غزة ومحاولة تدميرها من خلال الحصار والاحتياجات والغارات المستمرة.
ولأنها كانت مطمئنة إلى أن الإدارة الأميركية مؤيدة لها على طول الخط، فإن مجمل هذه العوامل شجعها على التمادي في المراوغة والتشدد وهذا ماعبر عنه الباحث اليهودي هنري سيغمان بالقول صراحة: إن إسرائيل لم تكن جادة في أي وقت في مناقشتها لموضوع الدولة الفلسطينية المجاورة، لكنها عملت طوال الوقت على استحالة قيام هذه الدولة من الناحية الجغرافية، عن طريق تكثيف إقامة المستوطنات في الضفة ليصبح نهر الأردن هو الحد الشرقي لها. وغاية ماتقبل به في ظل الخلل الحالي في موازين القوة هو إقامة حكم ذاتي فلسطيني تحت السيطرة الاستراتيجية «الإسرائيلية» الكاملة.
الإحباط الذي عبر عنه عباس أكثر من مرة في الآونة الأخيرة يدل على أن الرجل أدرك في نهاية المطاف أن «إسرائيل» لن تقدم له شيئاً يحفظ ماء الوجه . فإذا لم يستطع أن يطلق أسيراً فلسطينياً واحداً ، ولم ينجح في إزالة شيء من الـ 600حاجز التي وضعتها «إسرائيل» لتعذيب الفلسطينيين وشل حركتهم وفشل في أن يوقف غول الاستيطان الزاحف فلن يكون بوسعه أن ينجز شيئاً مما وعدبه في موضوع الدولة التي عاصمتها القدس، مايدل أن السلطة الفلسطينية وصلت إلى «نهاية الطريق»في السير وراء خريطة الطريق، وأن المفاوضات صارت عبئاً على القضية و ليس عوناً أوحلاً لها، وأن التقدم نحو حل الدولتين لم يحقق أي خطوة إلى الأمام خلال السبع عشرة سنة التي حلت فيها «الهلكة».