تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءات في الصحافة الإسرائيلية... بعد 63 عاماً.. مازلنا نفتقد الأمن والاستقرار

ترجمة
الأحد 15-5-2011م
إعداد وترجمة :أحمد أبوهدبة

في الخامس عشر من أيار في كل عام،يشهد العالم على أكبر ظلم تاريخي يرتكب بحق شعب أعزل عندما انتزع من أرضه بالقوة وشتت في جهات الدنيا الأربع على قاعدة الأطماع الاستعمارية الغربية في بلادنا،

فعلى الرغم من مقاومة الشعب الفلسطيني للمشروع الصهيوني الذي ارتبط عضوياً بتلك الأطماع، فقد تمكن هذا المشروع من الخروج إلى حيز الواقع بفعل عوامل عديدة، أولها الخلل الكبير في موازين القوى التي أحاطت بالأمة العربية والشعب الفلسطيني في تلك المرحلة التاريخية التي تم فيها الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية.‏

التأرجح بين الشك والتشاؤم‏

حظي هذا الكيان طوال ثلاثة و ستين عاماً من عمره، بمختلف أشكال الرعاية والدعم من قبل القوى الاستعمارية الغربية، بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة، بحيث استطاع شن أكثر من سبع حروب كبيرة على الأمة العربية وهذا الواقع إلى جانب سبع حروب لم يمنع هذا الكيان من ترسيخ اقتصاده وأن يصبح قوة تكنولوجية ويمتلك جيشاً قوياً وبنى تحتية متطورة على أرض ليس فيها موارد طبيعية.وبالتالي أن يفرض وجوده على الواقع الدولي، والأكثر من ذلك تمكن من ان يعقد ثلاثة اتفاقات «تسوية» مع ثلاثة أطراف عربية رئيسية في الصراع، لكن رغم ذلك كله فإن هذا الكيان الذي أقيم بالقوة العسكرية والدعم الدولي الاستعماري اللامحدود لاتزال حدوده غير محددة وتبقى عالقة في النزاع مع الدول المجاورة لها دون أفق قريب لحصول تسوية.والإسرائيليون الذين يتأرجحون بين الشك والتشاؤم حيال كل ما يتعلق بنزاعهم مع الفلسطينيين, يرون أن الوقت يمر دون وجود أفق للتوصل إلى اتفاق.«ليس هناك فعلاً ما يدعو إلى الاحتفال، مستقبل بلادنا قاتم والوضع لم يعد براقاً لدينا ولدى جيراننا.فبعد ثلاثة وستين عاماً على «قيام دولتهم», لا يزال الإسرائيليون يشعرون بانعدام الأمان». بحسب شالوم كيتال المسؤول الإعلامي السابق.‏

الإنجاز الأكبر... التطهير العرقي‏

الإنجاز التاريخي الذي حققته إسرائيل بشهادة أشهر المؤرخين اليهود إيلان بابه يتمثل بالتطهير العرقي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية، والذي يفضح بمنهجية علمية وموضوعية دقيقة، زيف الرواية الإسرائيلية لما جرى في أعوام 1947 -1948، ويقدم توثيقاً دقيقاً لما لا يقل عن ثلاثين مجزرة مروعة نفذتها عصابات الهاغانا، وأرغون وشتيرن ضد المدنيين الفلسطينيين، والسياسية المنهجية التي اتبعت لترحيل أكبر عدد ممكن منهم.‏

وإذا كانت سابقة التطهير العرقي الأسرع في التاريخ أخفيت معالمها لسنوات طويلة، فإن كارثة أطول احتلال في التاريخ البشري الحديث، الذي بدأ عام 1967 للضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة والجولان السورية، ليست بحاجة إلى بحث أو إثبات، إذ تجاوز الاحتلال الإسرائيلي قبل خمس سنوات سابقة أطول احتلال معروف في عصرنا الحديث، وهو احتلال اليابان لكوريا. ويقض احتلال الأراضي الفلسطينية منذ العام 1967 حتى باعتراف مسؤولين إسرائيليين, مضاجع المجتمع الإسرائيلي ولا يزال يشكل عاملاً محتملاً لإشعال المنطقة.‏

ورغم الإنجازات الكبيرة على المستوى العسكري والتقني والاقتصادي التي حققها هذا الكيان في السنوات الثلاث والستين من عمره، إلا أن الإنجاز الأكبر الذي حلم بتحقيقه عتاة الحركة الصهيونية وفي مقدمتهم بن غوريون، وهو تحويل هذا الكيان إلى «بوتقة صهر» لليهود في فلسطين، لم يكتب له النجاح البتة،إذ: باتت إسرائيل عبارة عن كيانات تكاد تكون منفصلة عن بعضها البعض، حتى تحولنا إلى مجموعة من القبائل والطوائف»على حد تعبير ابراهام بورغ أحد زعماء حزب العمل السابقين.إلى جانب ما يعصف بهذا الكيان في المرحلة الراهنة من تناقضات طائفية واثنية واجتماعية وسياسية وما إلى ذلك، فهناك تناقض بين ما هو اشكنازي -يهودي غربي- وما هو مزراحي –يهودي شرقي-، وتناقض بين ما هو علماني ومتدين، فاليهود الروس على سبيل المثال لا الحصر يعيشون في مجتمع خاص بهم، لهم أحزابهم الخاصة بهم، وثقافتهم ولغتهم الروسية التي تكاد تكون منفصلة عن الواقع الثقافي في إسرائيل بشكل عام، واليهود الإثيوبيون «الفلاشا» الذين يعانون مرارة التفرقة العنصرية على قاعدة التشكيك بيهوديتهم، أما التناقض الأساس فهو ما كرسته الحركة الصهيونية بين مجموعة هذه الاثنيات وبين العرب الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين على قاعدة عنصرية دينية تعمل على نفي الشعب الفلسطيني وعدم الاعتراف بحقوقه الوطنية والتاريخية في بلاده، والأهم من ذلك كله الانزياح الكبير الحاصل داخل التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين باتجاه المزيد من التطرف واليمينية، حتى بات اليمين الصهيوني المتطرف الطرف الوحيد الذي يرسم السياسات ويحدد الأولويات على جميع المستويات في الكيان الصهيوني.‏

العقدة الأساسية.. أزمة القيادة‏

العقدة الأساسية التي تعاني منها إسرائيل هذه الأيام بحسب العديد من المؤرخين اليهود والإسرائيليين يتمثل في «أزمة القيادة» التي تفتقر إليها إسرائيل، إلى جانب تفكك الكثير من الأحزاب وفي مقدمتها حزب العمل وصعود الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة، إلى جانب أن الوضع الأمني لإسرائيل أصبح أكثر تعقيداً بكثير مما كان خلال كل السنوات السابقة. تأثر هذا التعقيد بالأساس من تغيرات عميقة في الأوضاع الداخلية والمتغيرات الخارجية، وهذه التغيرات تعتبر حاسمة في عملية اتخاذ القرارات ذات الصبغة السياسية والعسكرية..... مجمل الوضع أن إسرائيل اليوم في وضع صعب على مستوى اتخاذ القرار في القضايا السياسية وهي غير مؤهلة لذلك، خاصة إذا أضفنا حقيقة أن القوى المعارضة لأي حل سياسي بإمكانها إجهاض أي حل.‏

ومما يعقد الأمور في إسرائيل هو الربط بين الأمن والديموغرافيا أساساً للكثير من القرارات قبل وبعد قيام الدولة، خصوصاً القرارات العسكرية. وليس مستبعداً أن يشكل هذا الربط أساساً لخوض حروب جديدة....«وبعد ثلاثة و ستين عاماً نجد التداخل والتشابك بين القضايا الداخلية والقضايا الخارجية، مضافة لها المصالح الشخصية للسياسيين التي أصبحت أهم أسباب تحديد المواقف. هذا الوضع المعقد في إسرائيل يمكن أن تتعايش معه فقط في حالة عدم وجود ضغوط خارجية عليها. ولكن الواقع غير ذلك...إن اتخاذ القرار السياسي واحتمال اتخاذ القرار بالصدام العسكري مرتبطان ارتباطاً قوياً بمسألة استعادة الردع الإسرائيلي.. لأن الشعور بفقدان الردع ينتج إجماع الإسرائيليين على الحرب حتى لو لم تكن مبررة وكلما كانت الحرب غير صادقة ويصعب تبريرها فإن الانتصار يصبح التبرير الأساسي لخوضها».كما يقول سامي سماحة».‏

وأخيراً وبحسب الباحث يهودا بن مئير: «فان القلق الوجودي ظاهرة تخص الإسرائيليين وحدهم، كما أن ظروفاً تاريخية وأوضاعاً مختلفة في المجتمع تؤديان إلى ارتفاع القلق الوجودي على مختلف أنواعه. المهم أكثر هو أن القلق الوجودي يلعب دوراً حاسماً في المسارات السياسية....لا يساعد القلق الوجودي على الخروج إلى الحرب فحسب. فهو يستطيع أيضاً أن يشل وأن يمنع أناساً من الخروج إليها، خاصة عندما لا يكون السبب واضحاً وكذلك النتائج.‏

المخاطر والتهديدات الإستراتيجية والوجودية‏

التغييرات الحاصلة في الشارع العربي تترك هذه الأيام آثارها المباشرة على التفكير السياسي والعسكري الإسرائيلي وبالتالي على ترتيب الأولويات بخصوص ما يصطلح عليه في الكيان الإسرائيلي المخاطر والتهديدات الاستراتيجية والوجودية، وما يجري في مصر بعد انهيار حسني مبارك والمؤشرات حول إعادة صياغة السياسات المصرية الجديدة بما يتفق وحجم مصر وإمكانياتها الأمر الذي أثر بشكل مباشر على الأولويات الإسرائيلية التي يحددها الخبراء بالشأن الأمني الإسرائيلي « وهي الملف النووي الإيراني وسورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية» وكان لتصريحات مئير دغان مسؤول الموساد السابق الذي قال:«إن الهجوم على إيران سيكون خطأ فادحا»والذي أحدث ردود أفعال حادة ومختلفة لدى المسؤولين في إسرائيل،علاقة مباشرة بتغيير الأولويات على المستوى الاستراتيجي في إسرائيل في المرحلة الراهنة.‏

وأظهر استطلاع للرأي أجري في الآونة الأخيرة ونشرته صحيفة «هآرتس» أن 34% من الإسرائيليين يخشون امتلاك إيران السلاح النووي و22% يخشون حدوث أزمة اقتصادية و21% يخشون حرباً على الحدود مع لبنان و14% يخافون من مجموعة أمور.وقال 4% فقط من الإسرائيليين إنهم لا يخافون من شيء فيما قال 4% إنهم لا يعلمون ما يجب أن يخشوه.‏

الصحافة الإسرائيلية أفردت معظم صفحاتها للحديث عن هذه المناسبة وغلبت نزعة التشاؤم والتخوف من المستقبل على معظم التحليلات، فتحت عنوان «أي نوع استقلال» كتب ميراب ميخائيلي في هآرتس يقول:«إن يوم استقلالي هذا العام مصبوغ بصبغة قانون النكبة: فلأول مرة في حياتي أكون أكثر تفكيراً في النكبة من تفكيري في يوم الاستقلال. إن قانون النكبة هو عمل آخر تعمله حكومات إسرائيل على اختلاف أجيالها يضر بمواطنيها العرب، ويضر بهم ويدفعهم إلى الزاوية، لكن المسألة هي أن هذه الأعمال تضر بالدولة نفسها أيضاً. فهي تدفع اليهود أيضاً إلى الزاوية، وتسبب أيضا ضرراً بالمجتمع اليهودي الذي يعيش في الواقع السيئ المعوج الذي نشأ من هذه الأعمال.‏

ويضيف الكاتب: «إن قانون النكبة هو مرآة معوجة لعدم استقلال إسرائيل. فبعد 63 سنة، إسرائيل غير قادرة على الاعتراف بأنه مهما كان إنشاؤها مطلوباً أو عادلاً فقد صاحبه ظلم وألم لآخرين فضلا عن أنها تشعر بعدم الثقة بنفسها وبوجودها، ولا يكف قادتها ومعارضوها معاً عن الإنذار بإبادتها أو نهايتها – كل واحد بحسب عقيدته ومخاوفه. إن إسرائيل بعد 63 سنة من إنشائها ومجتمعها اليهودي هما بلا أمن، ومحتاجان إلى تصديقات وإلى اعتراف خارجي، وهما مهددان من العالم كله بل من الأقلية في الداخل. أهذا استقلال؟ أهكذا يبدو شعب حر في بلاده؟.‏

السلام.. ذلك الحلم البعيد‏

وفي مقال افتتاحي كتبت هآرتس تحت عنوان»دولة تفر من نفسها» تقول:«عشية يوم «الاستقلال» الـ 63 تبدو إسرائيل ظاهراً، أكثر من أي وقت مضى، مثل «الفيلا في الغابة» التي تحدث عنها وزير الدفاع ايهود باراك: فهي تتمتع باستقرار سلطوي، بديمقراطية حصينة، بقوة اقتصادية وبهدوء أمني نسبي. أما حولها، فحراك الأرض يهز جيرانها ويغير أوضاعاً جغرافية – سياسية، أنظمة تسقط، زعماء يذبحون مواطنيهم وخصوم الأمس يتحدون لمواجهة التغيرات السياسية الكبرى، بما فيها إقامة دولة فلسطينية في ساحتنا حقاً. ولكن حتى من يتحلى بالهدوء الذي في قلب العاصفة لا يمكنه أن يتجاهل آنيته وهشاشته. إسرائيل لا توجد على كوكب آخر من جيرانها. ولا يمكنها أن تقطع نفسها عن العواصف الشرق الأوسطية، عن روح الزمن، وعن عزلتها المتزايدة.‏

وعلقت صحيفة إسرائيل اليوم على المناسبة ذاتها تقول: «أجل نحن نأسف لأن السلام مع جيراننا ظل بمثابة حلم بعيد، والحقيقة أن جزءاً كبيراً من العالم أصبح معادياً لنا. وكذلك ندرك أن التحولات في العالم العربي ستُقوي وتزيد في كراهيتنا وكراهية الغرب ولن تُقدم الديمقراطية وحقوق الإنسان كما أملنا». وكما توقع كثيرون منا توحد «شريكنا في السلام» مع حماس وسيحاول في أيلول القريب أن يحظى باعتراف دولي بدولة تسيطر عليها عناصر إرهابية. لكن يجب علينا أن نحافظ على قدر من المنظارية وأن نوبخ أولئك الذين يبالغون في مساوئنا ويتعجلون سيناريوهات يأجوج ومأجوج. تغلبنا في الماضي على تهديدات أكثر من هذه وسنفعل هذا مرة أخرى في المستقبل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية