على وجه الخصوص في الفترة التي سبقت نجاح مصرفي التوصل الى ما اعتبر اتفاق تهدئة بين اسرائيل من جهة وحماس وبقية منظمات المقاومة الفلسطينية من جهة اخرى ,حين كان باراك يشدد على شروط إسرائيلية مسبقة لقبول التهدئة مثل وقف اطلاق الصواريخ ووقف تهريب السلاح وإطلاق سراح الأسير الاسرائيلي جلعاد شاليط , غيران التدقيق في صيغة الاتفاق حسبما نشرتها الصحف الإسرائيلية يشير من وجهة نظر معظم المحللين الإسرائيليين المهتمين بالشأن الأمني الى ان اسرائيل قد تنازلت بالفعل عن شروطها المسبقة , بدليل أنها سلمت بفصل ملف الجندي الأسير عن اتفاق التهدئة وأنها وافقت على فتح معبر رفح بعد سريان الاتفاق بسبعين ساعة .
وبرغم وصف اولمرت هذا الاتفاق بالهش وتوقع معظم قادة جيش الاحتلال بأن التهدئة لن تعمر طويلا ,واشتراط اسرائيل استمرار التزامها بها بالتزام الفلسطينيين ,فقد اختلفت المواقف الرسمية والشعبية الإسرائيلية حيال قبول التهدئة , اذ اعتبرت بعض الصحف العبرية قبول حكومة اولمرت التهدئة بالإنجاز فيما اعتبرته صحف اليمين هزيمة لإسرائيل وإنجاز لحماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية .
على العموم ,النظرة الاستراتيجية للتهدئة تختلف لدى المحللين المهتمين بالشأن الأمني والمقربين من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ,إذ يراها معظم هؤلاء بأنها بداية للتراجع في بعض المفاهيم التي قامت عليها العقيدة القتالية لجيش الاحتلال ,فقد جاءت التهدئة نتيجة لضغط الصواريخ الفلسطينية اولا ,ومثل القبول بالتهدئة إسرائيليا ثانياً سقوطا مريعا للسياسات الاستراتيجية الإسرائيلية حيال غزة, اذ لم تسطع هذه السياسات في التأثير على وعي الفلسطينيين في التنازل عن حقهم في مقاومة الاحتلال ولم تضعف في الوقت نفسه لا حماس ولا منظمات المقاومة الأخرى بل على العكس ,فقد قوت وعززت نفوذها في المجتمع الفلسطيني وثالثا , أن موافقة اسرائيل على فتح معبر رفح يعني بشكل اتوماتيكي فك الحصار المفروض على غزة وفشله , وأخيرا فان ضعف اولمرت وحكومته وتخبطها وفشل جيش الاحتلال في حسم الوضع عسكريا كانت من العوامل التي حدت بإسرائيل لقبل التهدئة .
فقد اعتبر دوف فايسغلاس مدير مكتب شارون سابقا مثلا في مقال له نشرته يديعوت احرنوت :( أنه ليس من مصلحة إسرائيل التوصل الى تهدئة مع حركة حماس, معتبراً أن استعداد تل أبيب للتوصل الى تهدئة مع حركة حماس يحمل في طياته مؤشر على عدم قدرة اسرائيل على الدفاع عن مستوطنيها, والتخلص من أعدائها, ويشي بعجزها عن ايجاد تهديد رادع لازم لمنع حركات المقاومة الفلسطينية من العمل ضدها.
وحذر فايسغلاس من أن التوصل للتهدئة مع حماس يمس بشكل واضح بمكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس شريك إسرائيل الأساسي في العملية التفاوضية.
وأضاف حماس تثبت للفلسطينيين بأن( أبو مازن) وأمثاله مخطئون, وان الإرهاب والعنف هو الوسيلة المضمونة لإجبار اسرائيل على التفاوض وانتزاع اعتراف عملي منها .
فيما اعتبر الكاتب اليميني يهودا بن مئير نائب وزير الخارجية السابق واحد ابرز المحللين في معهد البحوث الأمنية : أن التهدئة مصلحة إسرائيلية لا جدال حولها. وان كل اتفاق حول وقف اطلاق النار هو انتصار إسرائيلي; لأنه ليست اسرائيل هي التي شرعت بإطلاق النار وليس لها اي مصلحة في ذلك اسرائيل غادرت غزة وهي لا تبحث عن شيء فيها. حماس هي التي شرعت بإطلاق النار كجزء من حربها ضد وجود دولة اسرائيل .
وأضاف من المحتمل أن لا يكون هناك مفر في آخر المطاف من القيام بعملية عسكرية كبيرة ولكن القدماء كانوا قد قالوا أنه لا يتوجب علينا أن نستبق الشر قبل حين. اسرائيل لم تخسر أبدا من فترات التهدئة حتى وأن كانت قصيرة وعرفت كيف تستغلها لصالحها.
من الممكن دائما اطلاق النار ولكن علينا استنفاد كل بديل آخر قبل القيام بذلك وفي مقابل ذلك حذر ايتان هبار مدير مكتب رابين سابقا : أولمرت ووزراءه وقادة الجيش من مغبة الإنصات الى الداعين لشن عملية عسكرية على قطاع غزة بدل التهدئة, مشدداً على أن هؤلاء سيكونون أول من سيدعون الى محاسبة المسؤولين عن قرار شن العملية عندما يتبين أنها ستفشل, محذراً من أن الكثير من المعلقين الذين يبدون حالياً حماساً للعملية هو أول من سيطالب برؤوس كل من أولمرت ووزير حربه ايهود براك ورئيس أركان الجيش جابي اشكنازي.
وأكد هابر في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت أن أي حملة عسكرية على غزة ستفشل في تحقيق أهدافها, قائلاً لا ينبغي للمرء أن يكون محللا عسكريا حتى يعرف أي عملية عسكرية كبيرة على قطاع غزة قد تؤدي في أعقابها لعدة اشهر من الهدوء, ولكن بعدها يأتي مرة اخرى الطوفان .
وقال هابر أن الأيام التي كان فيها الجيش الإسرائيلي واثق من تحقيق النصر في أي مواجهة قد ولت ولن تعود, مشيراً الى أن نتائج حرب لبنان الثانية كرست هذا الانطباع لدى الجيش وقيادته .
الصحف العبرية اختلفت هي الأخرى فيما بينها في تقييمها للجدوى الاستراتيجية للتهدئة بالنسبة لإسرائيل وأمنها ويتبين من تحليلات وتقارير المحللين العسكريين ان معظم هؤلاء يعتبرون بان لاجدوى استراتيجية للتهدئة إسرائيليا ,فقد اعتبر محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس, تسفي بارئيل, أن مبادئ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس تشكل إنجازا سياسيا وفئويا (لحماس) وستستخدمه الحركة كرافعة في حوار المصالحة الوطنية مع حركة فتح, الذي يتوقع أن يبدأ في نهاية الأسبوع الحالي.
وأوضح أنه بموجب هذه المبادئ لن تتمكن إسرائيل, الموقعة على اتفاق معبر رفح من العام 2005, من الإشراف على المعبر لدى فتحه, وصفقة شاليت سيتم بحثها بشكل منفصل عن وقف إطلاق النار, مثلما طلبت حماس.
وأضاف بارئيل أن التهدئة تمنح حماس, وليس عباس, القوة لإرساء وقف إطلاق نار في الضفة أيضا. وإذا استمر الهدوء في القطاع ستضطر إسرائيل بعد نصف عام أو عام إلى تطبيق وقف إطلاق نار في الضفة أيضا, وبذلك تستكمل حماس تحقيق مطالبها.
ورأى اليكس فيشمان المحلل العسكري في يديعوت احرنوت :( أنه على الرغم من أقوال قادة الجيش الإسرائيلي ومسؤولين سياسيين إسرائيليين إن التهدئة ستكون مؤقتة ووصفها بالهشة, فإن اتفاق التهدئة سيستمر, لأن كلا الحكومتين الضعيفتين في جانبي الجدار في غزة مهتمتان بنجاحها ولفت فيشمان إلى أن إسرائيل وحماس اضطرتا للتنازل عن قسم من مطالبهما. إسرائيل طلبت أن يشمل اتفاق التهدئة صفقة تبادل أسرى تستعيد من خلالها جنديها الأسير في القطاع غلعاد شاليت, ولم تحصل على ذلك.
وكتب فيشمان أن إسرائيل كانت تعلم مسبقا أنها لن تحصل على ذلك. وفي المقابل نجحت في الحصول على تعهد مصري في موضوع وقف التهريبات, وهو موضوع سيُعرض على الجمهور الإسرائيلي على أنه الإنجاز المركزي في الاتفاق. من جهة أخرى اضطرت حماس أيضا إلى التنازل عن مطالب, مثل فتح معبر رفح فورا وبدون شروط وقائمة طويلة بأنواع بضائع وربط غزة بالضفة الغربية.
وفي نظرعمير ربابورت المحلل العسكري في صحيفة معاريف فان : الإنجاز الأكبر بالنسبة لإسرائيل في التهدئة متعلق خصوصا بالضفة الغربية. وموافقة حماس على سريان مفعول التهدئة في القطاع فقط هو تنازل عن إصرار طال سنوات كانت حماس خلاله تطلق الصواريخ والقذائف باتجاه النقب الغربي ردا على عمليات الجيش الإسرائيلي والشاباك لإحباط الإرهاب النشط في الضفة الغربية. ومن هذه الناحية فإن الحصار على القطاع كان مؤثرا(. من جهة أخرى اعتبر ربابورت أن المشكلة الكبرى هي أن شروط التهدئة, من جميع النواحي, تشكل إنجازا لحماس بالذات. وهذه الحركة, التي كانت, في الحقيقة, مستعدة للتهدئة منذ وقت طويل, نجحت بواسطة استنزاف إسرائيل في رفع الحصار الاقتصادي والحفاظ على ورقة غلعاد شاليت. وهي في الطريق الآن لإنجاز فتح معبر الحدود بين القطاع ومصر رفح الذي سيمنحها مكانة دولية كدولة فعلية ). وقال ربابورت إن اتفاق التهدئة )مليء بالثقوب( وخصوصا أن )حماس ستستغل فترة التهدئة لتهريب المزيد من الأسلحة للقطاع ولتدريب عناصرها الذي أصبح عددهم يزيد عن عشرة آلاف مقاتل, أي أكثر من جيش حزب الله. وفي كل شهر تسجل حماس تعاظما في قوتها سيزيد من الثمن الدموي الذي سيدفعه الجيش الإسرائيلي في حال تقرر لاحقا شن عملية عسكرية برية في عمق غزة. وأضاف أن الرسالة التي سيفهمها العالم العربي من موافقة إسرائيل على التهدئة مفادها أن )إسرائيل تفهم لغة القوة وحسب. كذلك اعتبر ربابورت أن الاتفاق يشكل )ضربة قاسمة بالنسبة للرئيس الفلسطيني, محمود عباس, الذي يعتبر شريك إسرائيل في عملية سياسية ولا يحصل على شيء.
وتظهر استطلاعات الرأي في إسرائيل أن غالبية الإسرائيليين عبرت عن معارضتها لاتفاق التهدئة ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس, في قطاع غزة من دون ربطها بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير في القطاع, غلعاد شاليت. وأظهر أخر استطلاع للرأي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت, أن 78% من الإسرائيليين يعتبرون أنه كان ينبغي اشتراط التهدئة مع حماس بإطلاق سراح شاليت فيما قال 15% إنه لا ينبغي وضع هذا الشرط للاتفاق على تهدئة. لكن لدى سؤالهم ما إذا كانوا يؤيدون أو يعارضون اتفاق التهدئة مع حماس, قال 56% إنهم يؤيدونه مقابل 39% عارضوا الاتفاق.ووافق 68% من الإسرائيليين على أقوال والد الجندي الأسير في القطاع, نوعام شاليت, بأن حكومة إسرائيل تخلت عن ابنه, فيما لم يوافق على هذه المقولة 24% من الإسرائيليين. من جهة ثانية قال 64% إنهم غير مقتنعين بأن التهدئة ستصمد لوقت طويل. ورأى 55% إن الهدوء في أعقاب دخول التهدئة حيز التنفيذ, صباح أمس, لا يستحق التنازل في قضية شاليت فيما رأى 30% أن الهدوء يستحق تنازلا كهذا. وقال 79% إن التهدئة لم تُحدث تغيرا في رأيهم تجاه أولمرت. كذلك قال 70% إن التهدئة لم تجعلهم يغيرون رأيهم في باراك. ورأى 65% إن العلاقات المتوترة بين أولمرت وباراك تلحق ضررا في إدارة شؤون الدولة.