فبدأ الدكتور عبد الإله عبد الواحد أمين جائزة كتاب عويس في الإمارات بالحديث عن موسوعية شفيق جبري تلك الموسوعية التي استلزمت دراسة العصر الذي عاش فيه جبري والذي امتد على نهاية قرن وبداية آخر /القرنين التاسع عشر والعشرين/ وفيهما شهد العالم متغيرات تاريخية وسياسية وظهور تيارات فكرية متعددة وحروب ومآسي واحتلال عثماني واستعمار غربي وظهور اسرائيل, ففي قلب هذه الأحداث ولد جبري 1898-1980 وعاصر زمن عمالقة التنوير والتحولات الفكرية والشعرية وتعددت وظائفه في الشأن الابداعي والثقافي فكتب في أكثر من باب الشعر والنثر والدراسات الأدبية والتحليلات السياسية/.
جبري الشاعر الوطني والعاشق والقابض على الجمر
تحدث الدكتور عبد الإله عبد الواحد عن ربط جبري حياته بوطنه نصيرا وحبا وواجهة تندد بالاستعمار فبنى شعرا وطنيا يتميز بنثر دمه مع دم الشهداء وكيف كان يحرض على الوثبة والوقوف في وجه الطغاة وقصيدتي الجلاء تدلل على ذلك.
موسوعة أدبية
ومن يعيد قراءة جبري شعرا ونثرا ويغوص في فكره وحياته يراه في حيرة من أمره, فديوانه يحمل عنوانا حزينا وقصائده ثورية, ومجمع اللغة العربية يجمع على أنه لم يكن حزينا إلا أن ما نتلمسه من قراءة ما بين السطور في قصائده نجده حزينا يعاني العزلة, نذر نفسه للأدب وهذا يعود لسببين الأول شخصي: يرجع إلى أنه يمكن أن يكون مر بتجربة حب أصابته بردة فعل عكسي فالبوح في عصره ومجتمعه الدمشقي لم يكن مسموحا به, والسبب الثاني سيادة الرومانسية في الأدب والشعر مطلع القرن الماضي لا على المستوى العربي بل على المستوى العالمي أيضا.
أدب الرحلات
يتميز أسلوب أدب الرحلات عند جبري عنه في أدب الرحلات بشكل عام حيث خرج من رحلاته الأساسية الثلاث بآثار سجلها في كتبه التي خصصها لهذه الرحلات, خرج عما فعله الطهطاوي ولم يقلد الشدياق ولا كردعلي حيث أعطانا أدبا خاصا به تميز بأسلوبه وشمولية كتاباته وإحالاته لكل القضايا على واقع أمته ووطنه والكتابة عن هواجسه وأحاسيسه ومعتقداته ولم يحاول أن يجمع إحصاءات عن تلك البلاد أو تاريخها ودياناتها بل كان منفتحا حتى في قبول ديانات الآخر, فواقع تلك الرحلات أدبيا بامتياز وكذلك ثقافيا فقد عبر عما زاره من جامعات ومنتديات ومواقع أثرية ورموز للأدب العالمي والفكر الانساني إضافة لمواقف مشاهير الفنانين الذين عرفتهم البشرية.
الكتابة فعل تقليد
من هذا المنطلق اتخذ فعل الكتابة لديه من إعادة للمقروء كتابيا وبفعل كتابي, اتخذ فعل التقليد الذي لم يخرج على نسق القصيدة العربية شكلا وتركيبا شأنه شأن كل المبدعين الذين سبقوه, وبعد هذا التقليد الذي وقع به جاءت مرحلة الاستقلال والانفراد,وهذا ما حصل في قصيدة الرثاء الأولى له حيث أن تقدم الذات المبدعة في التجربة أكسبها خبرة أثرت خصوصيتها الثقافية فانفتح فعل الكتابة الشعرية على الرؤية النقدية لقصيدة الرثاء العربية التقليدية التي كانت تصلح لكل شخص وعانت الغلو, لكن عند جبري تتقدم التجربة بوصفها بناء ثقافيا للذات المبدعة انتقل فعل الكتابة الابداعية من فعل التقليد إلى فعل تعبيري مستفيدا من رؤيته الرومانتيكية فلم يعد النص الشعري أو النثري هو الذي يخرج كل الكمون الانساني من الذات المبدعة /من القوة إلى الفعل/ بل أعادت الطبيعة النص المفتوح الذي يحقق للذات المبدعة وجودها الانساني لذلك تتجاوز الذات المبدعة الأنا لبلوغ الوعي الكوني.
فلم يعد الشعر فعل الكتابة صناعة أو نظما يحد من الخيال بل أصبح متنفسا وتعبيرا عن الألم للذات المبدعة وبذلك انتقل فعل الكتابة من المحاكاة الخارجية إلى المحاكاة الداخلية في إطار الرؤية الرومانتيكية التي تركز على الطبيعة علما أن الذات المبدعة لا يعنيها شيء خارجها إلا ما يدعم فعل الكتابة الذي يعبر عنها.
الإلهام والنزعة الإنسانية
وهنا يبرز الالهام في نظرية جبري الشعرية ففعل الكتابة ما هو إلا وحي يوحى لا تهبه الصناعة ولا الأوزان ولا القوافي وإنما تهبه الطبيعة وحدها ويتكامل فعل الكتابة الشعرية لدى الذات المبدعة بتجسيده لكل العواطف البشرية التي تهتز إلى جانب روح الشاعر, وبذلك ينفتح السياق على النزعة الانسانية التي يجب أن يحتويها الشعر فالشاعر هنا صدى أغاني نفوسنا.
وفي نهاية الندوة تحدث الأستاذ عبد الكريم السعدي عن نشأة وولادة ومؤلفات المبدع الراحل شفيق جبري إضافة لمواقفه الفكرية والأدبية ودوره الوطني والقومي والسياسي والاجتماعي واهتمام جبري بتحديث الشعر واللغة العربية وحسن التعامل فيما بيننا من خلالها والاهتمام بالطبيعة على اعتبارها الرافد الوطني للشعر والمزاوجة بين الاستلهام والشعر واعتماد الأسلوب العقلاني في المناقشة العلمية وأهمية الافادة من اللغات في إغناء الثقافة الأدبية.
وكان قد أدار الجلسة الدكتور عبد الله أبو هيف إضافة للبدء بقصيدة شعرية تشيد بالمبدع الراحل للشاعر رضا رجب.