تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نقل الرفات وتشييد الأضرحة لشخصيات تاريخية ومعاصرة

استراحة
الجمعة 20-5-2011
محمد قاسم الخليل

إكرام الميت دفنه، مقولة شهيرة تؤكد تكريم الإنسان في حياته ومماته، وقد تفنن الناس في تشييد القبور والأضرحة، ولاسيما عندما يكون الميت من شخصيات تولت مقاليد الأمور في حياتها.

وخلال قراءتي عن سير بعض الشخصيات التاريخية الشهيرة لفت نظري أن عدداً منهم تم نقل جثامينهم إلى أضرحة غير تلك التي دفنوا فيها عند مماتهم، وأظن أن مثل هذا الموضوع لم يسبقني إليه أحد، وأرجو تصويب ما ظننته ممن عنده معلومة عن هذا الموضوع.‏

ومع استرجاع وقائع من هذا القبيل أسعفتني الذاكرة بعد من الشخصيات التاريخية والمعاصرة من علماء وزعماء نقلت توابيتها أو رفاتها بعد سنوات من الدفن لأسباب وظروف متعددة، ومن الشخصيات التاريخية صلاح الدين الأيوبي، ومن المعاصرة الشهيد عدنان المالكي.‏

تعد الأسرة الأيوبية الأكثر ذكراً في إنشاء الترب الخاصة ونقل توابيت أفرادها من مكان الدفن إلى مكان آخر.‏

وأشهر شخصيات الأسرة الأيوبية الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي أعطى للأسرة الأيوبية مجدها بمن فيهم والده أيوب الذي التحق به في مصر وصار في عداد قادته.‏

وقد توفي نجم الدين ايوب في مصر عام 568 للهجرة، ودفن إلى جانب أخيه أسد الدين شيركوه حسب ما ذكره أبو شامة في كتاب (الروضتين) وكان صلاح الدين في الشام آنذاك، وبعد سنوات نقل جثمانا الشقيقين شيركوه وأيوب إلى المدينة المنورة، وكان أسد الدين شيركوه قد توفي في سنة 564 للهجرة بعد شهرين من توزيره على مصر من قبل نور الدين الذي اتخذ من دمشق عاصمة لسلطانه.‏

وتوفي صلاح الدين الأيوبي في 27 صفر 589، بعد مرض دام ثمانية أيام ودفن في قلعة دمشق بعد أشهر من عودته من القدس إثر توقيع هدنة مع قائد الإفرنج ريتشارد قلب الأسد.‏

ونقل تابوت صلاح الدين من القلعة إلى تربة خاصة به في عام 592 من الهجرة حسب ما جاء في كتاب تراجم رجال القرنين، وهي المعروفة الآن وتقع في شمال الجامع الأموي عند باب الفراديس ويسمى في أيامنا باب العمارة.‏

كما نقل تابوت الملك العادل شقيق صلاح الدين من مدفنه في قلعة دمشق إلى تربته الخاصة المعروفة الآن بالمدرسة العادلية نسبة إليه، قبالة المكتبة الظاهرية وقد توفي العادل في عام 615، ونقل تابوته في عام 619 للهجرة، أي بعد أربع سنوات من وفاته.‏

ومن الشخصيات القديمة ننتقل إلى الزمن المعاصر لنذكر الأمير عبد القادر الجزائري الذي اختار دمشق للإقامة منذ عام 1856 إثر القضاء على ثورته ضد الاحتلال الفرنسي، ورفض الأمير عرضاً من نابليون الثالث للإقامة في قصر باريسي وفضل عليه بيتاً في دمشق وتوفي فيها عام 1883ميلادي.‏

ودفن حسب وصيته إلى جانب قبر الشيخ محيي الدين، وبعد استقلال الجزائر أراد الأخوة العرب الجزائريون أن يكون قبر أول من وقف في وجه الاستعمار الفرنسي في ديارهم، وتحقق لهم ذلك في عام 1966 حسب ما تسعفني الذاكرة، حيث نقل رفاته من دمشق إلى الجزائر، وكان يوماً مشهوداً في البلدين، وجرت له مراسم وداع عسكرية وشعبية تليق بقائد مكافح، وتعلقت عيون الدمشقيين الذين ناهزوا المليون في السماء حيث حامت في سماء المدينة الطائرة التي نقلت رفاته وقد استمرت مراسم نقل الرفات إلى قبيل الغروب حسب ما أذكر، وتم نقل وقائعها بشكل مباشر على أثير إذاعة دمشق.‏

وفي الجزائر احتفلوا احتفالاً مهيباً بدفن رفاته، حيث اجتمع نحو نصف مليون مواطن جزائري، إلى جانب أربعين وفداً من الأقطار العربية والصديقة، وأعضاء مجلس الثورة الجزائري، في مقبرة الشهداء، خارج العاصمة، كما تم نقل رفات عمر المختار عام 1980.‏‏

وممن نقل رفاتهم من موضع إلى ضريح قريب الشيخ حسن الجباوي حفيد سعد الدين الجباوي وذلك عند شق الشارع الواصل بين باب الجابية وباب المصلى، وكان ضريحه في المكان المسمى كركون الشيخ حسن نسبة إليه، وكانت وفاته في عام 1508 ميلادي حسب اللوحة الموضوعة على زاوية سعد الدين في مصطبة الميدان، وتم نقل رفاته إلى تربة خاصة به قبالة زقاق السويقة في أوائل السبعينيات وجرت لنقله مراسم مهيبة.‏

وأجد من المناسب أن أذكر ضريح الشهيد عدنان المالكي الذي اغتيل في المعلب البلدي بدمشق يوم الجمعة 22 نيسان 1955 أثناء حضوره مباراة بكرة القدم، وقد اهتزت دمشق لنبأ وفاته آنذاك، وشيعه عشرات الآلاف إلى مدفن العائلة في حّي المهاجرين.‏

ومن ثم نُقل إلى ضريح خاص أقيم في ساحة أطلق عليها اسمه، وتعد الآن أرقى ساحات دمشق وكانت الكلية العسكرية قد خصصت غرفة خاصة تضم ذكريات الشهيد، ففيها صورة للشهيد ولمحة عن تاريخ حياته، كما وضع في خزانة زجاجية اللباس العسكري المخضب بالدم، وقد كان يرتديه وقت اغتياله وعليه نياشين وربطة عنق سوداء كان يضعها على عنقه وعليها دم متجمد وقميص أبيض مخضب بالدم.‏

وعند إقامة متحف عدنان المالكي في زمن الوحدة نقلت هذه الأشياء إلى المتحف، وقام الفنان السوري فتحي محمد قباوة بصنع التمثال الموجود حالياً في الساحة التي تحمل اسمه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية