تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


من احتفالية وزارة الثقافة بذكرى ميلاده..طاغــور.. منـارة الهنـد.. عالمـي النزعـة شــاعر كونـي ومسـرحي متألـق يبشـر بالحب والعطاء

ثقافـــــــة
الجمعة 20-5-2011
فاتن دعبول

الاحتفاء بـ «رابند رانات طاغور» الشاعر والفيلسوف الهندي العظيم، هو احتفاء بصاحب المجد الكبير والعطاء الإنساني الجميل، هو احتفاء بذكرى مرور (150) عاماً على ميلاده،

ودعوة من أجل إعلاء الكلمة والتقارب بين الشعوب، وبناء منظور عالمي يرقى إلى مستوى تطلعات الأمم، ولاسيما عن طريق توطيد الجسور والثقافات والحضارات من أجل عالم يسوده الوئام والمحبة.‏

كلمات قدّم بها د. علي القيم معاون وزير الثقافة للوقوف عند أبرز المحطات في حياة طاغور وإبداعاته المتنوعة وإنجازاته العالمية..‏

طاغور.. منارة الهند‏

يسلط الدكتور علي القيم الضوء على جانب مهم من إبداعاته وهي الموسيقا يقول: كان طاغور، عالمي النزعة بالرغم من احتفاظه بهنديته العاطفية، فهو ينادي بالإخاء الإنساني والتفاهم بين الشعوب ويبشر بالحب بين الناس، ويلخص ذلك في فكرته « أن الإنسان فكر، وهذا الفكر الواسع يسع العالم كله.. كان طاغور فيلسوفاً «أرضه العقل، وسماؤه الروح» وبذلك فالإنسان عنده هو الحق، وهو أيضاً الطريق إلى الحق، إنه أرسطو العصر الحديث..‏

وعند طاغور الإنسان له ثلاث حيوات، أما الحياة الأولى فهي حياة الجسد التي لاتكون على أتمها إلا إذا اتسق هذا الجسد مع سائر أجساد الدنيا الطبيعية المحيطة به، والحياة الثانية فهي حياة العقل ويراد بذلك الفهم والقبول، وتكمن الحياة الثالثة في الروح التي تتناول علاقته الشخصية الفردية بالشخصية الإنسانية العامة.‏

لقد آمن طاغور بأن السبب الذي يصل الإنسان بربه هو قدرته على الفناء، ويندر أن نقرأ شيئاً من شعر طاغور دون أن نصادف عبارة موسيقية أو إشارة إلى الجمال الكامن فيها، لقد تأثر بأعمال موسيقية غريبة، وأيضاً استفادت الموسيقا الهندية كثيراً من شعره، ولطاغور أكثر من (2000) أغنية و(1000) قصيدة شعرية، وله مساهمات كبيرة في تطوير الموسيقا وتلحينها وتلحين الأعمال الغنائية حتى المسرح كان مغنى، ولاننسى أن النشيد الوطني الهندي كان من تأليفه وألحانه، وأيضاً النشيد الوطني البنغالي..‏

زار طاغور القاهرة، والتقى فيها أمير الشعراء أحمد شوقي، في حفل كان نجمه الموسيقار محمد عبد الوهاب، وأعجب كثيراً بالموسيقا العربية، كما زار العراق والتقى محمد صدقي الزهاوي واطلع على المقام العراقي وأبعاده..‏

كان له رأي في الموسيقا، حيث طالب أن يكون هناك نوع من التوزيع حتى نخرجها من «الغرفة» أي يكون لها شيء عالمي.. وهذا مافعله في الكثير من الأعمال التي قام بتلحينها وتأليف الشعر لها.‏

وفي ترجمة قامت بها ماري شهرستان، ذكرت تأثر طاغور بما يدعى موسيقا المجانين «الباويل» فهم يجهلون معنى الطوائف والطبقات وجميع الشعائر، فقط معتقدهم توفيقي بين مذاهب متعارضة متواجدة في الهند، ويرفضون الفصل بين الطوائف والمذاهب وبين النساء والرجال، فقط يقدسون الألوهة الموجودة فقط في قلب كل فرد..‏

لذا نجد الكثير من أغانيه على هذه الشاكلة.. «البحث الالهي في الإنسان هو الأساس الروحي لباويل» وثمة تسجيلات كثيرة بصوت طاغور، يقال إنه كان عذب الصوت وله تأثير على سامعيه..‏

فالموسيقا عند طاغور هي شكل من أنقى أشكال الفن وهي أقرب إلى التعبير عن الجمال، وهذا مايقوله دائماً في كل مؤلفاته وخاصة في أشعاره التي كانت ممزوجة بالغناء، وكان له أخ يكبره يتعاون معه ويلحن قصائده، وكان طاغور يرى أن اللحن يجب أن يسبق الشعر وأن على الشعر أن يحمل اللحن ويخدمه.. وأدرك أن للموسيقا والشعر دورهما الكبير في حياة الناس فقام بالتركيز عليهما.‏

الموسيقا تسعى دائماً إلى الولوج إلى خفايا الروح فكانت توضع للعزف في المعابد، ثم الأماكن العامة، والمناسبات المختلفة، والتأليف في الموسيقا يحتاج إلى فكر وإلى رؤى وتسامح ومحبة، والأغنية المثالية عنده هي عبارة عن زواج ناجح بين الكلمات والألحان، والتناغم بين الإيقاع واللحن..‏

قال في الموسيقا العربية: «إن روح الشرف موجودة في هذه الموسيقا».. والموسيقا هي القوة الخلاقة التي تعطي المرء إحساساً دافقاً بالحقيقة..‏

رابندرانات طاغور.. مبدعاً كونياً‏

يقول د. إبراهيم الجرادي متلمساً مكامن الضوء في عالم طاغور الكوني: لقد أثرى طاغور الحياة الإبداعية على مدى ستين عاماً من حياته الخصبة والمعطاء بـ 12 رواية و11 مسرحية شعرية وموسيقية، و4 مسرحيات هزلية، و3 مسرحيات شعرية، وكتابات متعددة في اللغة والأدب والتربية والفلسفة والتاريخ.‏

إن انشغال طاغور بالإنسان وجوداً وتفسيراً، قلقه ويقينه، إيمانه واضطراب إيمانه، ولادته وموته، شهوته وعفته، تعاليه وتدنيه، فهي وإن تأثرت بمنطق الوقت، واحتياجات النفس البشرية في فترة مسماة وموصوفة، فهي في الوقت ذاته، تتجاوزها في النفوذ والتأثير إلى فترات أخرى غير تلك الموصوفة والمسماة، فالعذاب البشري والهزيمة وأشكالها وألم الفراق، ولوعة الفقد والتفكير بالمصير البشري المضطرب والحب: متعة العذاب ودليل العافية، والحكمة: ضراعة اللطف ورشاد العقل ودنف القول.. كلها محمولات تدفع بنص طاغور إلى كونية المعنى، أي تجليه لهذه البواعث الأبدية، التي تدفع بدورها ليكوّن النص شكله الذي يحافظ على جغرافية الموروث ويتجاوزها في آن..‏

ويتحول الألم عند طاغور من حالة فردية إلى حالة تنظيم فيها مواصفات بشرية عامة، وكأنه بذلك يوسع من جغرافية الألم لسكانها الكثيرين الذين يتزايدون يوماًبعد يوم، وينقل التعاطف البشري من منطقته الخاصة إلى مساحة أوسع تشتمل أبعاداً إنسانية الصفات، وليصبح الفناء الذي كان عليه أن يغنيه مسلكاً لضبط أوتار العزف وأركانها..‏

-أنا لا أخطر بالراحة.. أنا ظامئ إلى الأشياء البعيدة المنال..‏

إن روحي تهفو، تواقة، إلى لمس المدى المظلم‏

إيه، أيها المجهول البعيد وراء الأفق‏

يا للنداء الموجع المنساب من نايك‏

أنا أنسى.. أنسى دوماً‏

أنني لا أملك جناحاً لأطير‏

وأنني مقيد دوماً بهذا المكان..‏

إذاً نصوص طاغور ليست مجرد نسق لغوي يتكئ على المعنى، وطاغور بشكل أو بآخر شاعر معنى، يتكشف عن قدرة نافذة في تنظيم علائق النص اللغوية واستثماراتها الاستعارية وصورها وابتكاراتها المجازية، التي تعمق أثرها وتأثيرها قوة الصياغة في أبنيتها اللغوية.‏

يقول طاغور: إن الموسيقا هي أنقى أشكال الفن وهي أقرب تعبير عن الجمال، وإننا لنشعر أن إفصاح اللا نهائية في الأشكال المحدودة في الخلق، هو الموسيقا نفسها تنساب صامتة ظاهرة.. إن السماء الداجية التي تحصي النجوم دون ونى شبيهة بطفل مشدوه بكلماته الأولى المبهمة..‏

لايني يردد لفظة واحدة، ويصغي إليها بفرحة لاتنضبان تماهياً، يبتكر عند طاغور نسيجاً خالقاً، بين الأداء الإبداعي، في أنماطه ودلالاته الموسيقا، الشعر والمسرح والفن التشكيلي، ليحيل إلى أبعد من توصيف يشير إلى المباشر الذي يقوم على دليل ملموس، وعلى المتخيل الذي يقوم على ذهنية ثرة، يعبر في الحالتين عن الفرد والجماعة في كونهما الأبدي وفي بعدهما الذي لايستسلم لزمن.‏

لقد حقق طاغور لوسائل التعبير المختلفة عبقريته وكونيتها وضمن من خلالها وجوداً حياً لايموت.‏

طاغور والمسرح‏

ويقدم د. نزار بني المرجة إضاءة على مسرح طاغور، تلك العبقرية، والشخصية الفذة التي تمثل صورة متألقة أبداً للحضارة الهندية العريقة والعظيمة..‏

يقول: كان للبيئة التي نشأ فيها طاغور بعد ولادته في كالكتا، دورهام في كشفه لفن المسرح حيث عرف المسرح على يد أستاذه الخاص دفيجندرانات إضافة لدراسة اللغة الإنكليزية واللغة السنسكرتيتة وآدابها، وكان المرجع الأساسي الذي يستلهم منه هو كتاب «ناتيا ساسترا» وفي العموم كانت الثقافة المسرحية عند طاغور تستند إلى أرضية أساسية تعتمد على الشعر أساساً في النص المسرحي أو الدرامي، واستوحى كثيراً من مسرح شعبي متنقل هو مسرح (جاترا) الذي يعتمد فرقاً للفرجة غير كثيرة العدد، وتتميز بإمكانية التفاعل المباشر وإمكانية فتح حوار بين الممثل والجمهور بعيداً عن جماليات الديكور والحدود الصارمة لخشبة المسرح، ما أكسب مسرح طاغور بعداً تفاعلياً بين الممثلين والجمهور، والشيء الثابت في معظم أعماله المسرحية هو الحضور القوي للشعر والخيال الشعري والفلسفي في النص المسرحي، وخير دليل على تداخل فني الشعر والمسرح عند طاغور مسرحياته «الدفلة، مكتب البريد، انتقام الطبيعة، الناسك..‏

وقد أنجز طاغور خلال حياته التي امتدت ثمانين عاماً (24) مسرحية جرت لها عروض كثيرة داخل الهند وخارجها، الأمر الذي كرس طاغور كاتباً مسرحياً متألقاً، إلى جانب إبداعاته الأدبية والفنية.‏

واستطاع طاغور أن يحافظ على شاعريته المسرحية التي تأتي من نصها الشعري المتحرر من سيطرة المكان، وكأنه يواجه الثقافة الاستعمارية الرأسمالية منتصراً للفكر والثقافة الهندية، وكانت هذه المسألة أحد مظاهر التناقض والاختلاف بين حكمة الشرف ممثلة بثقافة ومكانة وإبداع طاغور وحكمة الغرب..‏

ولابد من الإشارة إلى أنه أكد في الكثير من نهايات أعماله المسرحية فكرة الولادة الثانية أو الموت الذي يهب الحياة مسرحيتي (الشلال، المنبوذة) «فولي العهد- أبهيجيت» الذي يقضي نحبه في نهاية مسرحية الشلال، على نحو صوفي من تحقيق الذات، يهب الحياة لشعب- شيفتاري- بعد أن حاولت قرى الطغيان تسخير ماوصل إليه العلم للسيطرة على الشعب ببناء سد يمنع الماء من الوصول إلى حقولهم..‏

ونحن نعلم أن طاغور لايفصل بين الآلهة والناس ولكنه يتخذ موقفاً معارضاً من العلم إذا ماتحدى رغبة الآلهة، ولم يحفل بلعنات الناس..‏

والملاحظ أيضاً في مسرحيات طاغور غياب الصراع، وهذا سببه أن الثقافة الهندية لاتعتبر الموت فجيعة،بل هو واحد من تغيرات الحياة أو طور من أطوارها، لذا كان يركز على الجماليات الغنائية من شعر ورقص وموسيقا دون إيلاء الاهتمام للديكور، واستعاض عن ذلك بتراث المسرح الهندي الكلاسيكي الذي أهمل الطابع التصويري للمكان المسرحي فاتكأ على سينوغرافيا الخيال التي تغني المسرح من دون ديكورات..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية