تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مـــع شــــاعرة ســـورية اســــمها إيرينـا

ثقافـــــــة
الجمعة 20-5-2011
اجتاحت جيوش الاسكندر المقدوني بلاد الشرق بعد انتصارها على الفرس في موقعة «إيسوس» سنة 332 ق.م فنقلت «الحضارة الهيلينية» إلى البلدان المشرقية وأصبحت هذه الحضارة منذئذ تدعى باسم «الحضارة الهيلينستية» أي اليونانية الشرقية.

وأفرزت الحضارة الهيلينستية عدداً من المؤرخين والعلماء والفلاسفة والشعراء وأهم من ظهر منهم في ميدان الشعر ميليا غروس من مدينة غدرة وهي مدينة أم قيس في الأردن حالياً و «أنتيباتر» من مدينة صيدون «وهي مدينة صيدا حالياً» وفتاة شاعرة بدأت بقرض الشعر منذ السنة الخامسة عشرة اسمها «إيرينا» وكان من المنتظر أن تصبح شاعرة كبيرة في منزلة شاعرة اليونان الكبرى «سافو» لولا أن الموت اختطفها وهي لما تبلغ العشرين من عمرها بعد!‏

عاشت «إيرينا» في النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد في جزيرة «ديلوس» التي كانت تتبع سورية الطبيعية في ذلك الحين والدليل على ذلك أنه فيها وكالة تجارية ضخمة للفينيقيين.‏

وقد أثارت شاعرية إيرينا البكر وموتها المفاجئ قبل بلوغها سن العشرين قرائح الشعراء اليونان والهيلينستيين فوصفها الشاعر «آسكليبياديس» الذي عاش في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد بالكلمات التالية:‏

ها هي قصائذ إيرينا الممتعة‏

إنها ليست ضخمة من حيث الحجم‏

لأنها نتاج فتاة‏

في التاسعة عشرة من عمرها‏

ولكن لها من قوة البيان‏

ما تتفوق به على الكثيرين‏

من كان بوسعه‏

أن يصبح أكثر شهرة منها‏

في ميدان الشعر‏

لو لم يختطفها الموت منا بهذه السرعة‏

ووصفها شاعر هيلينستي آخر بالقول:‏

لقد بدأت بالكاد يا إيرينا‏

أيتها النحلة المعطاء‏

فصلاً من ربيع الأغاني‏

ولم يكد صوت التم يصل إلى الآذان‏

حتى أمسكت الربة (موارا) بمغزلها‏

فألقت خيوطه بك‏

في نهر (الآخيرون)‏

وسط أكوام الموتى‏

ولكن ديوان أشعارك الجميلة‏

يقول إنك لم تموتي يا إيرينا‏

بل إنك تحتلين مكانك‏

في قلب ربات الشعر البيريديات‏

ولمساعدة القراء على فهم هذه القصيدة بشكل أفضل نقول إن التم هو أجمل الطيور من نوع البجع ونهر الآخيرون هو النهر الذي يقاد فيه الموتى إلى العالم الآخر وأما موارا فهي الربة المكلفة بأمور الموت وهي تمسك دوماً بمغزل يحوي الآلاف من الخيوط المتشابكة فإذا قطعت بيدها أحد الخيوط يكون ذلك سبباً في موت صاحبه وانتقاله في نهر الآخيرون إلى العالم الآخر السفلي وهو عالم الأموات.‏

شعر إيرينا:‏

نبغت إيرينا في نظم شعر الرثاء الجنائزي السداسي الأبيات (هيكسا متر) منذ أيام مراهقتها الأولى وكان يغلب على هذا الشعر طابع التشاؤم لأنها فقدت صديقة لها في ذات اليوم المقرر لزفاف هذه الصديقة وكانت تشعر في قرارة نفسها بأنها ستلاقي هي أيضاً هذا المصير نفسه.‏

نظمت إيرينا خلال خمس سنوات من حياتها بين سن الرابعة عشرة والتاسعة عشرة من عمرها القصير سبع قصائد وأشهر هذه القصائد اثنتان: (إلى عروس شابة) أو (بوسيس)- (المغزل).‏

1- بوسيس: تطرح إيرينا في هذه القصيدة مسألة عبثية الموت الذي لا يفرق بين الشيخ الهرم والصبية الشابة (رأيت المنايا خبط عشواء من تصب..) وقد يكون الموت قاسياً وعشوائياً إلى الحد الذي يستهدف به شابة صبية في يوم زفافها، وهكذا تنقلب الأفراح إلى أتراح وأغاني الزفاف إلى ترانيم جنائزية.‏

وها هي كلمات القصيدة التي نظمتها إيرينا في صديقتها الشابة بوسيس التي توفيت في ذات اليوم الذي كان مقرراً لزفافها إلى حبيبها وقد نقشت كلمات هذه القصيدة على شاهدة قبر هذه الصبية وتقول:‏

«أنا قبر العروس الشابة بوسيس: إذا مررت أيها العابر قرب هذا الضريح‏

الذي ترويه دموع غزيرة‏

فقل لرب العالم السفلي:‏

إنك غيور يا (هاديس)‏

وإذا نظرت إلى الرموز الجميلة‏

الموسومة على قبري‏

فإنها ستعلمك بالمصير المأساوي‏

الذي كان من نصيب بوسيس‏

وكيف أن حماها‏

والد خطيبها‏

أحرق على الحطب‏

جثمان هذه الصبية‏

وهو ذات الحطب الذي كان معداً‏

ليكون مشاعل زفافها‏

وأنت يا حفل الزفاف:‏

لقد بدلت أغنية العرس الجميلة‏

إلى صرخات حزن باكية».‏

2- صورة أخرى من هذه القصيدة على لسان المتوفاة:‏

«أيتها الأنصاب‏

وأنتن يا نافخات الأبواق‏

وأنت أيها الجرن الجنائزي‏

الذي لا يحوي إلا جزءاً يسيراً من رماد الموتى قدموا تحية الصداقة‏

إلى أولئك الذين يمرون قرب ضريحي‏

سواء أكانوا من أبناء وطني‏

أم من بلد آخر‏

وقولوا لهم أيضاً‏

إن هذا القبر‏

يضم رفاة عروس شابة‏

هي أنا «بوسيس» كما سماني أبي‏

ولتعلموا أنني من جزيرة (تينوس)‏

وأن الشاعرة إيرينا رفيقتي‏

هي التي اختارت هذه الكلمات‏

لتحفر على شاهدة قبري»‏

3- المغزل AL AKATA وهي قصيدة تبين عبثية الموت وعشوائية وبشاعة عملية الموت التي تنقل الشخص من كائن جميل يتحرك ويتفاعل إلى هيكل عظمي.‏

والقصيدة فلسفية وطويلة ولذا سنكتفي بترجمة أهم مقطع فيها وهو التالي:‏

«من هنا‏

وحتى أراضي العالم الآخر‏

يجتاز الصوت عرض النهر‏

بلا جدوى‏

لأن الصمت يخيم في عالم الموتى‏

وقد عمت الظلمات‏

وانسكبت في العينين»‏

ومن المناسب أن نشير هنا إلى أن كلمة «النهر» الواردة في هذه القصيدة تعني «نهر الآخيرون» الذي يفصل بين عالم الأحياء وعالم الموتى (العالم الآخر أو عالم الموتى) حيث تعم الظلمات وتنسكب في العينين والذي يسيطر عليه ويحكم فيه رب الموت والعالم السفلي (هاديس)!.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية