وخصوصاً أن وطننا هذه الأيام يشهد من التضليل الإعلامي ما لا يمكن إحصاؤه على شاشات التلفزة، فالطفل ليس بمعزل عما يدور من حوله، فهو يرى ويستمع لكل ما تراه أسرته من مشاهد الموت والرعب والأخبار التي تشعره بفقدان الأمان، وكل هذا من شأنه ترك أزمات نفسية لدى الطفل تبقي آثارها لفترات طويلة في نفسه وفي غفلة من والديه وأسرته.
صور من المجتمع
مهند، صف سادس، يصف ما يشعر به بالقول: «أشعر ببعض الخوف مما يحدث هذه الأيام، وأنا غاضب في الوقت نفسه لعدم السماح لنا بالخروج من المنزل وهذا بسبب ما يحدث، اليوم ألعب لبعض الوقت وأهتم بواجباتي وأتمنى أن يعود الفرح والسرور كما كان حتى نستطيع اللعب والخروج دائما».
سونيا شلغين، الثالث الإعدادي، تقول: «أصبح الضغط النفسي هذه الأيام مضاعفاً، الأول سببه مايحدث والثاني ضغط الدراسة والامتحان، المشكلة لدي أنني أسمع الأخبار خارج إرادتي، فإذا تركت التلفاز فأني أسمع الأخرين يتحدثون بذلك، غير هذا يوجد الضغط الذي يسببه لنا الأهل بعدم السماح لنا بالخروج والدخول بسبب ما يحدث».
ميساء صالح، الثالث الثانوي: أعاني هذه الأيام من عدم التركيز وذهني مشتت وأفقد الرغبة في الدراسة، وأنا لست الوحيدة فهذا ينطبق على الكثير، كل ما أتمناه أن تعود الأمور لطبيعتها وأستطيع تحقيق حلمي بدخول الجامعة».
أسماء البقاعي، أم لطفلين: «أجد خوفاً وتوتراً لدى طفليّ مما يشاهدانه، كما أنهما بدأا يطرحان الكثير من الأسئلة المعبرة عن مخاوفهما، كما أنني ألاحظ لديهما نوع من عدم الرغبة باللعب وفقداناً للشهية، والسبب هو أنهما يعايشان شيئاً جديداً يكبرهم سنا، فهما غير معتادين على مثل هذه الظروف، بالمقابل أحرص على توعيتهما والتوضيح لهما أن هذه الظروف عابرة».
دلال جليكو، ربة منزل وأم لخمسة أطفال، تقول: لم ألاحظ لدى أطفالي أي شعور بالخوف مما يشاهدونه فهم يتابعون الأخبار معنا ثم يعودون لمتابعة برامجهم المفضلة، هذا بالإضافة إلى حرصي على توعيتهم بألا يستمعوا للغرباء أو يتعلموا الهتاف غير المفهوم وغير ذلك، ودائما أنمي فيهم محبة الوطن».
لينا حسن، ربة منزل وأم لثلاثة أطفال تقول: أحرص دائما على عدم ملء رؤوسهم بما يشاع من أحداث على التلفاز والأخبار المبالغ بها، غير هذا فأني أحرص على مراقبة ما يشاهدونه من برامج لتناسب أعمارهم وإبعادهم عما نشاهده نحن الكبار، ولا أهمل دوري كأم ومواطنة بتوعيتهم بعبارات تزيد من حب الوطن تتماشى مع أعمارهم .
بعيون الإرشاد النفسي المدرسي... اختلاف في مظاهر التأثر وردود الأفعال
المرشدة النفسية «زبيدة النونو» مدرسة «فاروق جلال الشريف» تقول: «كوني مرشدة نفسية للمرحلتين الإعدادية والثانوية، لاحظت أن هناك تفاوتاً في إدراك الطلبة للأحداث، فطلاب المرحلة الإعدادية غير متأثرين ’’نوعا ما‘‘ لما يجري وربما يعود ذلك إلى أنهم أقرب إلى الطفولة، بينما نرى طلاب الشهادة الإعدادية (التاسع) وهم الأقرب إلى المرحلة الثانوية أكثر انفعالاً ووعياً وهذا ينطبق على أكثر الطلاب في المرحلة الثانوية، حيث إنهم يفهمون ويدركون ما يحدث ويفكرون بالأحداث بشكل أوعى وأشمل وهذا لا يعني أنهم غير متأثرين فالظروف تحيط بالجميع».
أهم مظاهر التأثر
توجد لدى الطلبة حالة من الحزن والألم وعدم استقرار والتوتر بسبب ما يحدث، وهذا يؤثر عليهم دراسياً، والملاحظ أن الطالب أصبح غير قادر على التركيز وفقد رغبته في الدراسة لما يراه ويسمعه في وسائل الإعلام، ونحن كمعلمين ندرك صعوبة هذه المرحلة على التلاميذ.
هناك تفاوت بين الطلاب وتأثرهم من حيث ردود أفعالهم، ويعود ذلك إلى الفروق الفردية والاختلافات المتفاوتة في التكوينات الشخصية لكل طالب وآخر، وتفاوت درجات اهتمامهم بحسب البيئة المحيطة ووعيها.
للقضاء على هذه الحالة من التوتر ننصحهم دائما بالانطلاق من أنفسهم ويتجلى ذلك بالانضباط والالتزام بالدراسة للحصول على نتائج مرضية لتحقيق النجاح، وأن نعبر عن حبنا لبلدنا ببناء جيل واع سلاحه العلم والوفاء.
رؤى كثيرة... ونصائح متعددة
الدكتورة «هزار سامي الجندي» مُدرّسة علم النفس الإعلامي في كلية الإعلام بجامعة دمشق، تحدثت بالتفصيل عما يتحلى به الإعلام من خطورة بالغة التأثير في نفس الطفل، بالقول: لاشك أن الإعلام له من التأثير في هذه المرحلة التي يمر بها البلد مالا يمكن إحداثه بأي وسيلة أخرى، هذا التأثير يأتي من عدة نوافذ أساسية تستخدمها الوسائل الإعلامية أهمها التهويل والتضخيم في الأحداث وصناعة التضاد في الرسالة الإعلامية بين المع والضد في جهة من الجهات لإحداث الأثر المطلوب كالخوف والقلق وجعل الإنسان يمشي بالوجهة التي تريدها هذه الوسائل، وهذا مانشهده اليوم من التضليل الإعلامي الذي يجتاح وطننا من خلال إعطاء صورة متأزمة للوضع كزيادة التضخيم في الأحداث وعدد القتلى وعرض صورة الموت من أوسع الأبواب، وكل هذا من شأنه زعزعة استقرار النفس البشرية وخصوصا عند الأطفال.
تغيَر الظروف
في هذه المرحلة قد تتغير الظروف التي تعوّد عليها الطفل كانعدام الخروج بنزهة في يوم العطلة وقلة حركة الأطفال في الشارع (اللعب بالحارة) وعدم متابعة برامج الأطفال وغير ذلك، كل هذا من شأنه إحداث حالة من القلق لدى الطفل فما الأفضل للتوضيح؟... التوضيح أمر صعب جدا على الوالدين، ولكن يمكننا طمأنته ووعده أن القادم أفضل ((هناك مشكلة عابرة على البلد وسوف تنتهي))، غير هذا يمكن توجيه سلوكه لأموره الشخصية التي تلهيه عن القلق كالاهتمام بالدراسة، وخصوصا أننا مقبلون على الامتحانات النهائية، ويجب على الوالدين اتباع سلوك الحياة الطبيعة الذي تعود عليه الطفل في البيت كذهاب الوالدين إلى العمل وتقديم الطعام في الأوقات المحددة والخروج من المنزل بالقدر المستطاع والاهتمام بآلية الدراسة ومتابعتها، هنا يمكننا القول إننا نخلق حالة من الراحة والاستقرار النفسي لدى الطفل.
الخطأ الأكبر
الخطأ الأكبر لدينا اليوم كآباء وأمهات هو الاعتقاد أن الطفل لا يعي كل الرسائل الواردة من الإعلام، في الحقيقة الطفل قد لا يعيها كلها لكنه قطعاً يعي الكثير منها ويستوعبها، ولمجرد تواجده أمام الشاشة وسماعه لأحاديث الكبار يستطيع أن يكوّن صورة معينة عن الوضع الراهن، وهذا حسب تحليله الشخصي، فقد يكون تفسيره (هناك فوضى أو أزمة أو عدم توافر الأمان و...الخ) وهنا نشير إلى أن الطفل لا يستطيع حماية نفسه وإنما يستمدها من والديه، فإذا وجد الطفل ارتباكاً وقلقاً أو خوفاً لدى والديه فإنه سيشعر بفقدان الأمان في كل مكان.
الأكثر تأثيراً
يحدث التلفزيون من التأثير على الإنسان ولاسيما الطفل مالا تحدثه أي وسيلة أخرى، من خلال دمجه للصوت والصورة والحركة، فهو لا يحتاج إلى عقلٍ واعٍ لفهم الرسالة وتفسيرها، لذا يفترض إبعاد الطفل عن الشاشة بسبب الصورة المعروضة عليها، هذه الصورة سوف ترسخ في مخيلته الانتقائية، بمعنى أنه سينتقي ويحتفظ بالصورة الأكثر ألماً له، فكيف إذا كانت هذه المرحلة كلها قائمة على القلق والتوتر الذي يحدثه الإعلام؟ غير هذا يفترض إبعاد الأطفال عن سماع أحاديث الكبار، وهذا أمر صعب لأن الطفل سيشعر بالقلق الذي يشعر به الكبار دون سماعهم ولكن إبعاده عن هذه الأحاديث المقلقة سيخفف من حالة التوتر لديه ولو بشيء قليل.
جماعة الأصدقاء
من أكثر الجماعات المؤثرة في هذه المرحلة هم الأصدقاء، فكل منهم ينتمي لبيئة مختلفة في المستوى الثقافي والمعرفي والإنتماء السياسي، وهذا يتجسد في التفسير الطفولي التخيلي للمعلومة وما تحمله من تضخيم وتهويل ومبالغة في الأحداث، كل هذا من شأنه إحداث حالة من عدم التوازن النفسي، لأن الطفل في هذه الحالة لن يستطيع أن يضع نفسه بين الحقيقة والزيف على الساحة، وخصوصاً أن كل القصص تشير إلى فوضى وخوف وقتل ودم، وهذا سينعكس على نفسيته الخصبة ويحدث التأثير الكبير فيه.
يعبّر الأطفال أو المراهقون على السواء عمّا يصلهم من من تضليل وتخويف ومظاهر عنف من التلفاز وغيره بسلوك عدواني على أنفسهم وعلى غيرهم، وسبب هذا إحساسهم بفقدان الأمان، وخصوصاً أن تفكيرنا الخاطئ أنهم لايستطيعون تفسير واستيعاب الرسالة الإعلامية كما نفهمها نحن الكبار هو المسبب الأول والأخير لهذه الحالة، وهنا تكمن خطورة عدم الانتباه من الوالدين، فالطفل سوف يتأثر أكثر ويخاف أكثر لأنه يفتقر لأدوات الضبط على الصعيد النفسي، وهنا يظهر للعيان السلوك العدواني والشرود والقلق وقد يصيبهم ما أصاب أطفال لبنان أثناء الحرب الأهلية كالكوابيس وعدم القدرة على النوم وقد تصل لدرجات أعلى كالإصابة بالسلس البولي.
مسؤولية الوالدين
الكثير من الأمهات والآباء في هذه المرحلة غير مدركين لخطورة مايمكن أن يتأثر به أطفالهم سواء من وسائل الإعلام أم الأصدقاء أم الكلام الذي يسمعونه من الكبار، وهنا تكمن أهمية تمتع الوالدين بالوعي اللازم لإدراك ما يجري وتفسيره لأبنائهم من خلال إطلاعهم على الوضع الراهن «بشكل مخفف» و «توضيح» معنى ما يجري وتنبيههم إلى عدم تصديق كل مايقال، بالإضافة إلى إعطائهم الموقف السليم الذي يجب أن يتبنوه بعيدا عما يمكن أن يسبب لهم الخوف والتوتر.
أخيراً الانتماء لهذا الوطن والذي يعنينا جميعا وخوفنا على فلذات أكبادنا وعلى أرضنا، يتطلب منا أن نكون واعين بشكل كامل لما يجري على هذه الأرض، ونتواجد فيها باستمرار تحت كل الظروف والمسميات، وإن كان الحديث عن أطفالنا في هذه المرحلة لينظر كل منّا إلى وطنه على أنه طفله الصغير.
vaef47@hotmail.com