إما التسليم بمطالبها ومطالب اسرائيل بفك التحالف الاستراتيجي مع ايران والتوقف عن احتضان ودعم المقاومة ضد اسرائيل ثم التنازل لهما عن الحقوق القومية في الارض العربية المحتلة، او أن تواجه الفتنة والتقسيم ومن بعدها المحاكم الدولية كما حصل في يوغوسلافيا والسودان.
وكان الرد السوري انطلاقا من سياسة ثابتة لديه: لا تنازل عن حق ولا سماح بإرهاب وفوضى، ولما لجأت الفئات الارهابية الى السلاح وبعد صبر وانذار تحركت القوى العسكرية السورية، فعالجت التهديد واسقطت الخيار الاميركي بالفوضى، واحكمت السيطرة على البؤر التي زعزع الاستقرار فيها، وترافق الامر مع حركة اصلاحية سريعة قادها الرئيس الأسد شخصياً، ما سحب الذرائع وعطل أذرعة التدخل.
سلوك جعل الاعلام الغربي يصف حال اميركا واسرائيل عشية النجاح السوري في الاستجابة للاصلاح و مواجهة الارهاب بالقول «ان المجتمع الدولي يصارع ليجد رد فعل على انكسار المعارضة السورية». لقد احبطت اميركا واسرائيل من نجاح الحكم السوري بمعالجة الوضع لديه، خاصة ان هذه المنظومة الاستعمارية الدولية لا تستطيع ان تتحرك ضد سورية عسكريا لعجزها عن انتصار ميداني يستثمر سياسياً، كما لاتستطيع ان تضغط بالقرارات الدولية ايضا حيث انها غير ممكنة الآن بسبب الموقف الروسي الصيني الرافض لاي ادانة أو تدبير يستعمل القوة الدولية في مجلس الأمن ضد سورية، وزاد الطين بلة بالنسبة لهم ان تبادر قوى شعبية عربية لتنظيم مسيرات العودة الى فلسطين بشكل غيّر اتجاه الأحداث فأربك اسرائيل وشتت الانتباه والتركيز على سورية وأكد الوجهة الصحيحة للصراع مثبتاً أن اسرائيل هي الطرف العدو لكل شعوب المنطقة، مسيرات اظهرت ان جبهة المقاومة والممانعة التي تشكل سورية الركن فيها، قادرة على الهجوم المعاكس والناجح ايضاً.
لأن كل هذا حصل وظهر نجاح سوري على اكثر من صعيد (اصلاحي، امني، استراتيجي) ترد اميركا الان وتصعد ضد سورية لتستوعب هذا النجاح، لان اميركا بحاجة للظهور في موقف قوة غير منكسرة وهي تستعد لتمديد احتلالها في العراق، واستيعاب ازمتها في لبنان بعد خروج ادواتها من الحكم، والعودة الى تحريك الملف النووي الايراني بما يحجب اخفاقها فيه.
ان اميركا بحاجة ماسة لنجاح على الساحة السورية يتمثل بتنازل ما يقدمه الحكم فيها، ولهذا فان العقوبات (لا قيمة عملية لها) التي اتخذتها ضد بعض المسؤولين السوريين ليست الا دليل عجز وهي تعلم انها لن تستطيع ان تذهب بعيداً في الشأن، حيث ان باب الحرب مقفل، وباب مجلس الامن غير سالك كما تشتهي، والبيئة الاقليمية غير مؤاتية لها لتنتصر على سورية، ويبقى ان نذكر بان في اليد السورية من الاوراق الكبرى التي اذا استعملت، ستفاقم الازمة الاميركية في كل المنطقة. فاذا كان خروج بضعة الاف من المدنيين العزل ومطالبتهم بحق العودة افقد امريكا واسرائيل اعصابهما فكيف سيكون الحال ان كان الرد بمواقف أبعد مدى كماً ونوعا وهدفاً؟
ان تحليلاً للبيئة الاستراتيجية القائمة يقود إلى القول بانه لن يكون للعقوبات الاميركية ولا للصراخ الغربي تأثير يذكر في مسار الاحداث في سورية، خاصة ان اميركا تعلم أو يجب ان تعلم ان مواقف سابقة كانت اقسى مما هي اليوم ولم تؤد الى التغيير، فالسيادة لا تنازل عنها، والقوة ومصادرها لا تفريط بها، وان اقصى ما سيكون من اثر لهذه القرارات هو المفعول الصوتي الذي يتلاشى في اسابيع قليلة، فالنتائج تحددها موازين القوى الميدانية والسياسية وهي ليست في مصلحة اميركا اليوم، وان الشرق الاوسط الذي تحكمه اميركا ولّى الى غير رجعة كما اعترفت الاندبنت البريطانية بالامس.