مآسٍ انسانية خصوصا ان العرض المسرحي ملحمة المعري لم يكن تاريخيا بل استعار شاعرية المعري شفافيته وسوداويته والتي لم تكن غريبة عند مقاربتها لما نشهده من حروب وظلم وقتل وعنف يقترف بحق الانسان وقد ربط العرض كل تلك السوداوية التي اتصف بها المعري مع الواقع من خلال مفردات فنية عديدة ضمن تركيبة فنية خاصة اعتمدت أداء الممثل, لوحات تشكيلية رسمت خصيصا للعرض, فيديو , خيال الظل وغيرها, فكان هناك سردية مباشرة لأشعار المعري ورثاءات كثيرة للمشاعر الانسانية بصوت الفنان محمود سعيد والفنانة نسيمة الظاهر تزامنت مع اداء تعبيري وشغل ممثل تتداخل مساراته وعوالمه حركاته, اشاراته وايماءاته بين شاشة عرض خلفية قدمت مشاهد وثائقية وصالة المسرح مقتسما نصيبه من الفظائع الانسانية الراهنة وفي النهاية يأخذ الممثل وضعية المتلقي بالمشاهدة لتلك الفظائع كي تتخذ الحالة المسرحية مسارا تكامل فيه الفعل الدرامي مع الواقعي ما بين المعري, وممثلي العرض ومتلقي العرض غاب الحوار التصاعدي بين الشخصيات لصالح الحالة الفنية التجريبية المبتكرة والتي تجلت فيها مقاربات وتقاطعات بين عناصر العرض فيما بينها وما بين الواقع .
هذا ما أبرزه العرض المسرحي ملحمة المعري من اخراج زكي كورديللو وانتاج مديرية المسارح-المسرح القومي للمؤلف الشاعر اواديك اسحاقيان وقد عرض ليوم واحد فقط على صالة مسرح الحمراء بدمشق وتم بعدها ايقاف العرض رغم الاعلان عنه عبر وسائل اعلامية عديدة وكان ضمن عروض مهرجان دمشق المسرحي بدورته الاخيرة, وقد وصل العرض الى الجمهور المفروض فيه قد اجتاز جميع الخطوات اللازمة لجهوزية اي عرض مسرحي من الناحية المادية والادارية والفنية.
حول ايقاف العرض وحول العرض المسرحي ملحمة المعري تحدث المخرج زكي كورديللو قائلا: ايقاف العمل اثناء العروض الجماهيرية حالة مستهجنة لأنه اصبح ملكا للجمهور والحكم يعود له بقبوله او رفضه وايقافه بعد الاعلان استهتاراً برأيه,واقدم تساؤلا هنا اين كان المسؤولون عن القرار عندما تم الاعلان عن العرض في الصحف وطبع بطاقات الدعوة وارسالها الى السفارات والادارات والاعلام وقد قامت بها مديرية المسارح ولا بد من القول بأننا بذلنا جهدا كبيرا لانجازه ممثلين وفنيين وفنانين تشكيليين هذا عدا التكاليف المادية.
واشار كورديللو إلى ان الاعتراض على العرض كان تحت عنوان السوداوية وعدم الاكتمال للشروط الفنية فأكد قائلا: المعري هو سوداوي النزعة اصلا واشهر ما يدل على ذلك قلوله (هذا ما جناه ابي علي وما جنيت على أحد) والمؤلف حاول ان يقارب فلسفته وروحه من فلسفة روح المعري وكان موفقا في هذه المقاربة خصوصا انه لم يتم يتناول النص بشكل تقليدي او تاريخي اذ سعينا الى خلق معادلٍ حياتي لهذه السوداوية .
وتابع المخرج حديثه عن العرض كونه يتبع لأسلوب المدرسة التجريبية, والتجريب حق لكل مبدع ونتاج التجربة لا تظهر إلا بعد انجازها كاملة فالعرض المسرحي لا يكتمل اصلاً إلا بالجمهور, والمسرح التجريبي قد يخلق اشكاليات فالبعض يحبه والبعض الآخر قد لا يقبله .
واخيرا يؤكد المخرج بأن لجنة المشاهدة المفترضة تكلفها ادارة المسارح وليس المخرج خصوصاان العرض شارك في مهرجان المسرح الاخير وليس من المعقول تقديمه وهو غير مستوف للشروط الفنية فإذا لم تشاهده الادارة السابقة وتقيمه فلماذا لم تشاهده الادارة الجديدة قبل تقديمه للجمهور.