ليحول له عمله المذهل إلى سلسلة أفلام, هي الأولى من نوعها, وليضيف إليه كثيراً من التقنيات العملاقة, التي أكملت دهشة الكتابة. ولم يمضِ وقتٌ قصير, أي في بداية الثمانينات, حتى أصبحت حرب النجوم, حقيقة واقعة, تقاسمها المعسكران كما تقاسما العالم.
لم يُصب المجتمع الغربي بالشيزوفرينيا, بسبب ما أنتجه لوكاس, ذلك لأن هذه القفزة الفكرية والتقنية, كانت لها جذورها في حركية المجتمع, إضافة إلى أن التكنولوجيا في تلك المرحلة, كانت قد شنت حرباً طاحنة ضد سرعة الضوء بهدف تقزيمها وتجاوزها.
في بلاد بلا سرعة ولا تقنيات كبلادنا; حيث تغوص الأقدام في وحول الشوارع وليس على سطح القمر أو في الفضاء, وحيث يُعدُّ الضوءُ منحة مدفوعة الضريبة; تشل حرب النجوم عقولنا, وتجعلنا فاغري الأفواه أمام ضخامة المركبات الفضائية التي تسبح في عالم آخر, في حين أننا نحلم بمركبة شبه مهترئة لكنها آمنة تقلنا بين أحياء مدننا المزدحمة بالدخان القاتل.
ما زالت أفلام حرب النجوم مستمرة, وما زال (بروس ويليس وبن أفليك) يصران على إنقاذ الأرض من نيزك عملاق سيصطدم بها, ويدفع ويليس حياته ثمناً لذلك, ولكنه يرسل عبارة إلى سكان العالم, مع من بقي حياً, تقول: (الحرية لكل الجنس البشري).
تعج الفضائيات العربية بأفلام حرب النجوم, وتعرض التقنيات المتطورة. ولا تتوانى القنوات المتخصصة بالأطفال عن نشر الأفلام والمسلسلات الكرتونية والحية, وهي تعرض القوى الخارقة في غزو الفضاء والتكنولوجيا والتحولات الكائناتية. ففي مسلسل (دايس) على قناة (Space toon) تخرج أسلحة مدمرة من جسد طفل قوي, ويتحول الوحش إلى سيارة غريبة الشكل, ويستحيل التنين دراجة نارية. أما في مسلسل (دويل ماسترز) فتخرج الكائنات الخرافية من جهاز معلق في يد طفل, وتقفز لتصبح بحجمها الطبيعي.
يقوم الطفل ديكستر في مسلسل (مختبر ديكستر) بمغامرات في الفضاء, فيخترق الغلاف الجوي, ويصل إلى أي كوكب, بالسهولة نفسها التي يحرك أحدنا فيها إصبعه, وتكون الأجهزة المستخدمة في تجواله الفضائي من اختراعه هو. يقاوم ديكستر الأشرار الذين يغزون الأرض, ثم يلاحقهم إلى كواكبهم ويهزمهم مستعيداً أخته المزعجة. وفي دوران سريع يشبه دوران آلة الزمن, ينتقل جودي وبيتر إلى أي مكان يريدانه في الكرة الأرضية بلمح البصر.
تتشارك القنوات في بعض المسلسلات, حيث تبث (mbc3) و(Teens) مسلسل (الجاسوسات), وهن ثلاث فتيات فاتنات, لديهن مهمات جليلة في ملاحقة الأشرار, والسفر بين الكواكب, ويقمن بعملهن وينتصرن دائماً.
بالتأكيد, هذه المسلسلات تلائم الطفل الغربي, من حيث تعامله مع التقنية وامتلاكه لها ومواكبته اللحظية لتطوراتها. فهو بالضرورة, ابن شرعي للعقل الجبار الذي سيكونه مستقبلاً. ولكن الخطورة, هي في تفاقم نزعة العدوان - كما يسميها إريك فروم - التي تدفع الطفل إلى امتلاك لذة التدمير, والتي تصبح مثل كل لذة أخرى, لا غنى عنها.
يستقبل طفلنا العربي هذه الصور, ولا يشعر بأنها تمت إلى عالمه بصلة, أي يعتبرها نوعاً من السحر, ولكنه يحبها ويفضلها, كتعويض عن الضعف والفقدان اللذين يعيشهما, فتدخل في كيانه النفسي, ليس كخليط الماء بالماء, بل كجزء منفصل أو ورم, يدعوه النفسانيون (الفصام).
إذاً, ما الذي يحتاجه طفلنا? طبعاً يحتاج إلى ما نحتاجه نحن جميعاً: الانخراط في ثورة المعلومات, وفهم معنى غزو الفضاء, ودخول مجال الهندسة الوراثية. وبما أننا نفقد الحوامل المنطقية لتحقيق هذه الأساسيات, فيمكن أن نسميها (المستحيلات الثلاثة, الأشد استحالة من سابقاتها).