وهل أن قوة القانون الضرورية في هذه الحالات كافية للخروج من هذه الظاهرة غير الطبيعية؟! يبدو أنه وعلى المدى البعيد فإن الحلول تكون بعيدة المدى أيضاً، وهذا يعني وكما يؤكد المختصون، التخلص من الجذور الثقافية لهذه الظاهرة الشاذة والتي تعتمد الكثير من مكوناتها على تفسير منحرف للعقائد الدينية، مثلاً أضف إلى ذلك أنها، أي ظاهرة التطرف تنمو، بل وتعتمد على المناطق والبيئات المتأخرة جراء الجهل والأمية المتفشية في أوساط شرائح اجتماعية متعددة، ناهيك عن تحكم التأويلات الدينية المتطرفة في عقول العديد من الشرائح المتعلمة، وأحياناً (المثقفة) ولهذا الأمر أسباب متنوعة، كما يرى الباحثون لهذه الظاهرة.
فهل نجانب الصواب إذا أكدنا أنه ينبغي التفكير والعمل على إيجاد حل نهائي لهذه الظاهرة المرضية، فإذا كان الأمر كذلك فهل القول: إن تحقيق عدالة مجتمعية وإيجاد فرص عمل منتجة وكذلك التوسع في التعليم ومحاربة الفساد.. إلخ هل هي حلول كافية؟ رغم الأهمية القصوى لهذه الحلول وغيرها. ويبدو أنه علينا القول أيضاً إن التنشئة الاجتماعية المبكرة للأجيال الناشئة مهم للغاية. ونحن نعلم علم اليقين أن التعليم، وخاصة في مرحلته الأساسية يقوم بدور لاغنى عنه كي لايرشح إليه التطرف بأي شكل وبأي لبوس، وبالتالي كي لايستخدم المتطرفون (العقول المدبرة للتطرف) أجيالاً منهم لصالح أجنداتهم..
نحن نعلم أن التعليم في بلدان نامية كثيرة ومنها الدول العربية، مازال وللأسف يعتمد على التلقين وتقوية الذاكرة، كما يقال وإذا توقفنا عند هذه النقطة الهامة لوجدنا أن التعليم في مراحله كافة، يحتاج إلى الفهم والحوار وهو يقوم أيضاً على النقد، وبالتالي فإن المهمة الأساسية في التعليم لتنشئة الأجيال منذ نعومة أظفارها وحتى المراحل التعليمية المتقدمة، هي صياغة مناهج دراسية تعتمد على مايسميه الخبراء (العقل النقدي) وهو على عكس(العقل الاتباعي) الذي يجعل الناشئة سهلة الانقياد وبالتالي تسهل السيطرة عليه. وعلى العكس من ذلك فإن العقل النقدي متمرد بطبيعته- كما هو معروف- لدى جمهرة المختصين لأن التعليم القائم على أسس علمية نقدية يغني الماضي والحاضر والمستقبل، ويبلور رؤى حياتية تتسم بالانفتاح والتصرف بطريقة عقلانية، وليس اعتماداً على النقل والتقليد والذي يقع في مطبات قبول وتصديق الانحرافات، وبالتالي وكما يؤكد العارفون أيضاً، فإنه يرفد التطرف بدماء شابة ينبغي أن تكون في الجانب الإبداعي الخلاق للحياة المتطورة على الدوام والمتدفقة كشلال ماء لاينضب..
لذا نجد أن المجتمع الأهلي الواعي والذي يصيغ حياته بحرية مع وجود تشريعات مناسبة يسنها ويشرف عليها ويحميها أيضاً، تؤدي إلى حرية التفكير من خلال عقل نقدي يعتمد على الأسس العلمية للحياة المعاصرة، وبالتالي نرسم طريقاً للنمو والتطور والازدهار يعتمد على ماضٍ تليد وحاضر يولد بإرادتنا الواعية ومستقبل واعد نرسم ملامحه منذ الآن.
وأيضاً فإننا شهود عيان على خطورة الدور الذي تقوم به العديد من وسائل الإعلام في نشر الفكر المتطرف بوسائلها المتعددة وبطرق مباشرة وغير مباشرة.
ما أدى ويؤدي إلى تأثر جمهور واسع بهذه القنوات، وهنا ينبغي القول: إن المتأثرين بهذه الوسائل الإعلامية وخرافاتها لم يأت صدفة أو من فراغ، والحل لايكمن فقط في إيجاد وسائل إعلامية وطنية بديلة فقط، بل ونجده أيضاً في الإسراع في مشاريع التنمية المنتجة وفي محاربة الفساد والمحاسبة، كي نحصن المجتمع بشرائحه كافة من تلك الأفكار المفرقة في ظلاميتها وانغلاقها وعدوانيتها.
إذاً فإن الحلول المنطقية تحتاج فيما تحتاجه إلى خطاب ثقافي واضح المعالم أيضاً، فإضافة إلى اعتماد العقل النقدي في التعليم بمختلف مراحله ووجودخطاب ثقافي واضح وسهل الفهم والعمل على خطط تنموية تلبي الحاجات المتنامية للمجتمع،سواء المادية منها أو الروحية اعتماداً على الشفافية والصدق والجرأة وتعاون القوى الخيرة والواعية في المجتمع، وما أكثرها وهكذا نحصن أنفسنا ضد هذا (المرض) الذي يدعى التطرف وبالتالي نحمي مجتمعاتنا من عدواه...