بالتأكيد لن يكترث الكثيرون لموت بن لادن، ومع ذلك لننظر إلى الأمور عن كثب إن احتقار القيم والحقوق المرجعية هو في الواقع ممارسة شبه مطلقة لدى البعض، فالرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ارتكب جرائم حرب ومعاملة وحشية ومهينة كما في سجون أبو غريب في العراق وباغرام في أفغانستان وشهدنا سجناً أميركياً تجاوز كل القوانين: سجن غوانتانامو، ونقل المساجين إلى دول تعهدت استقبالهم.. قائمة غير كاملة. كذلك لم تغير إدارة أوباما من الاستراتيجية الأميركية رغم استخدامها لعرض ماهر وتقديم إيديولوجي حسن.
فمصلحة سياسة أميركا الداخلية واضحة، فاليمين الجمهوري الأميركي ترسخ، والأكثر نفعية (أوباما تعامل ببعض الرجعية ربما هذا السلوك هام وحاسم بصدد الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2012، فتصفية بن لادن أكسبت هذا الرئيس عشر نقاط إضافية في استفتاءات الرأي وبرهان سلوك إرهابي محض وبالتأكيد لم يحترم أنظمتنا ولاقيمنا.. وبن لادن كذلك لم يحترمها قط.
وهذا كله له معنى واحد فقط، أنه في ظل هذه الرأسمالية العالمية الواقعة في أزمة رهيبة، لم تعد القوى الرأسمالية الرئيسية تتمتع بأجوبة سياسية كافية تساعدها على تجاوز أسباب هذا الوضع، ولا التوصل إلى أساليب سياسية لتبنيها المستمر. فالصراعات أصبحت ممكنة للولوج. وأظهرت سياسات القوى العظمى محدوديتها، فهناك دول منها بحال انهيارات ودول أوروبية على وشك الإفلاس، فالسياسات الليبرالية الجديدة تقود إلى مآزق سياسة ومالية.
وهاهو البناء الأوروبي يعاني حالة أزمة بنيوية حيث إن صعود القوى المنبثقة، بدأت تنافس الهيمنة الأميركية، كذلك للتغيرات الجارية في دول أميركا اللاتينية والأحداث في الدول العربية بدلت في علاقات القوى، وهكذا أصبح تفوق الدول الغربية قيد التساؤل ،صحيح أن للولايات المتحدة هيمنتها. لكنها لم تعد تسيطر بشكل أحادي الجانب على العلاقات الدولية بالرغم من تمتعها بقدرة عسكرية ومؤهلات ولاسيما اقتصادية وتكنولوجية هامة.
العالم يتحرك وتوزيع القوى بدأ يأخذ منحىً جديداً، المقاومات والصراعات تتزايد والتاريخ يتسارع، نفهم من هذا كله أن الدول التي مازالت تتمتع بهيمنة امبريالية جديدة.
تتدخل عسكرياً وتمارس ضغوطاً سياسية باستخدام عنف غير مشروع لأشخاص مصنفين إرهابيين وإنشاء نماذج قضائية جديدة (مثل أعداء محاربين) في أفغانستان في محاولة منها لإضفاء صفة الشرعية على سياسات مناقضة للقيم العالمية.. لايهم أكان الأسلوب المتبع مقبولاً أم لا لكن الشرط أن يخدم مصلحة استراتيجية وأن تكون هذه المصلحة إعلامياً مشروعة تحت اسم الديمقراطية ومحاربة الإرهاب.
بوش برع في هذا الامتحان، وأوباما أثبت تواً أنه يجيد الأمر أيضاً، أما كاميرون فإنه يتبع بإتقان الطريقة البريطانية، أما بالنسبةلنيكولاساركوزي فهو يشجع التدخل العسكري الاستعماري الجديد في ساحل العاج وليبيا
في الواقع تكشف تطورات سياسة الكومندوس أن الأزمة والهيجانات في العالم سيكون لها أثرها على الدول المهيمنة وعلى علاقات القوى بعضها ببعض.
بقلم: جاك فان- مسؤول العلاقات الدولية