أما العنوان الذي اختارته لمجموعة لوحاتها فهو ترانيم ذلك هو معرضها الفردي الذي استضافته صالة تمر حنة في مدينة دمشق القديمة.
استقصاء تاريخي
في معرض لوحاتها تقدم سناء أشكالها الفنية وإيقاعاتها الحروفية بحرية وبعفوية لونية تثير التساؤلات حول مسلكها التعبيري، الذي يصل في احيان كثيرة إلى حدود التجريد اللوني واللوحة تتخذ شكل البحث التقني واسلوب الاستقصاء التاريخي لروح المكان وتصل إلى درجة الإحساس بأجواء الجدران القديمة والجمع في نهاية المطاف بين العناصر والرموز والدلالات اللونية الذاتية في ايقاعاتها الهندسية والغنائية.
والعودة إلى حركة الحروف العربية أو تجليات الكتابة الحروفية لم تكن في لوحاتها سوى مفردة من مفرداتها التشكيلية والجمالية والتعبيرية القائمة على جمالية تشكل الحروف والكلمات بخط فني بعيد كل البعد عن القواعد الاتباعية المعتمدة في كتابة انماط الخطوط العربية وبطريقة دلالية مقروءة في بعض اللوحات وغير مقروءة في البعض الآخر. وهذا لايمنعها من الاستعانة احياناً بقصاصات ورقية مطبوعة تحتوي على بعض انماط الخطوط المكتوبة بحرفية تراعي حركة الحرف وقواعده المتوارثة منذ قرون.
نحو مصدر الخلق
وبالرغم من أنها تعمل في إطار اظهار ايقاعات الخطوط والكتابات العربية في العديد من لوحاتها المعروضة، فهي في النهاية تشحن لوحتها بمزيد من العفوية والتلقائية والارتجالية ولذلك فهي لا تدخل في تشكيل النص الكتابي في إطار التشكيل الحروفي البحث وبمعنى آخر مهما استغرقت في رحلتها وكتاباتها الحروفية المتجهة في اكثر الاحيان نحو مصدر الخلق والروح فإنها في النهاية ليست فنانة حروفية حسب المنهج التنظيري لهذا التيار أو الاتجاه كونها تهتم كثيراً بالجوانب التعبيرية والذاتية والانفعالية حتى حدود الخروج عن إطار استخدام الحروف احياناً والاعتماد على التشكيل التعبيري المعماري الذي يوحي بحضور طيف العمارة القديمة لا باستلهامها المباشر وإنما بالارتكاز على روحها وإشاراتها المترسخة في الذاكرة والوجدان كبصمة لاتغيب.
هكذا تمارس حريتها المطلقة في البحث التشكيلي والتقني، كأن تجعل ايقاعات الحروف محصورة في مساحات محددة أفقية أو شاقولية في وقت تستطيع فيه أن تمارس حريتها المطلقة في التشكيل والتلوين والإلصاق والبحث عن بؤر قوية الإضاءة في بعض لوحاتها.
وبذلك يكون الاتجاه التعبيري الانفعالي الذاتي هو الاكثر حضوراً في فضاءات التشكيل وهي حين لاتهتم بالاسلوب التقليدي أو التسجيلي في كتاباتها المباشرة على سطح اللوحة فإنها تخدم هذه المفارقة الجمالية.
وإذا كانت المصادر الثقافية التشكيلية المعاصرة تتخطى اليوم لغات البلدان والشعوب فهذا يساهم أو يجعل لوحتها قادرة على لفت انظار الاجانب لأن لغة الفن الحديث تحمل هواجس تقنية ودلالات جمالية مشتركة حتى وإن تضمنت اللوحة كتابات عربية وبعبارة اخرى اللوحة الحديثة لاتحتاج إلى ترجمة أو إلى وسيط أو دليل سياحي.
ولا أدري إلى أي مدى يمكن أن يتم التفاعل مستقبلاً بين تجربتها وتجربة شقيقتها صفاء عبد المجيد التي اقامت معرضها الفردي الأول في المركز الثقافي العربي بأبي رمانة العام الماضي وبحثت من خلاله عن جمالية لونية عفوية لتنويعات القناطر والاقواس والشرفات والنوافذ المتداخلة في عمارة مدينة دمشق القديمة.
لاشك ان الطابع الثقافي اي طابع الاختبار والتجريب والبحث الفني والتقني المتواصل وتلمس الطريق الصحيح هو اكثر ما يميز التجربتين الشابتين ووجودهما في اسرة واحدة يشكل مناسبة للحوار الثقافي وتبادل الخبرات ويعمق مرتكزات البحث التشكيلي والجمالي والتقني.
adibmakhzoum@hotmail.com