أحدث ثورة في المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وحتى المعيشية منها، فخرج مفهوم السلطة الرابعة من اصطلاح كونه فعلاً أخلاقياً وأدبياً ليضحي فعلاً عضوياً له ارتباطه في أدق التفصيلات في حياتنا اليومية.
ومن الطبيعي أن تكون الشريحة الشابة هي المستهدفة في التوجيه الإعلامي كونها الشريحة الحيوية القادرة على إحداث الفعل في الحراك الاجتماعي الكلي.
كلمات على الورق..!
يقول البرتو مانغويل في كتابه (في غابة المرآة.. دراسات عن الكلمات والعالم): "في رأيي إن الكلمات على ورقة تجعل الكون متناسقا"، والصحافة الورقية هي الفعل الأول والبداية الحقيقية للإعلام كواقع متبلور ففي أحضان الورق شهد الإعلام بدايته، وكان الموجه للمجتمع ولطبقة الشباب، ومع دخول الأنواع الإعلامية الأخرى أضحت الصحافة الورقية نبعاً ينهل منه نخبة الشباب، ولكن الشباب اليوم يفضلون السرعة و"الميديا المودرن" التي تتناسب مع الواقع المعلوماتي المعاش مما أدى إلى تراجع دور الصحافة الورقية مقارنة بالتلفاز والمواقع الإلكترونية.
يرى الشاب خالد العبود: إن لكل وسيلة إعلامية دورها، ولكن التلفاز أعطى حركة وتفاعلاً أكثر من خلال طريقة تعاطيه مع الخبر، إضافة إلى وجود الصورة التي جعلت مساحة التفاعل بين الملقي والمتلقي أكبر، مما يخلق حميمية بينهما، وهذا لا يقلص دور الصحافة الورقية كثيراً...!
تشير إحدى الدراسات العربية إلى أن معظم الطلاب لا يقرؤون الصحف المحلية مطلقاً، في حين بلغ متوسط ساعات الجلوس أمام التلفاز 6 ساعات يومياً، وكشفت الأسئلة التي تتعلق بالشخصيات العامة عن جهل الطلبة بشخصيات لها دور وطني بارز، فمثلاً عرّف الكثيرون المفكر التنويري "عبد الرحمن الكواكبي" على أنه صحافي مصري، و"سعد زغلول" بأنه شاعر سوري والشاعر التشيلي "بابلو نيرودا" بأنه أديب مغربي وهكذا.
وتقول الشابة نوال الكردي: أصبح دور الصحافة الورقية اليوم محدوداً في ظل انصراف، الأغلبية، من جيل الناشئة في الوقت الحالي إلى وسائل الإعلام الأخرى، وأولها التلفاز الذي يُعد وسيلة إعلامية جماهيرية، كما سيطر الانتشار الكبير والواسع للإعلام الالكتروني المنوّع الشامل على وقت وتفكير الشباب، خصوصاً أن الإنترنت أصبح اليوم في متناول الجميع من خلال الهاتف النقّال والحاسب المحمول وتوفره في العمل والمنزل والمدرسة والجامعة.
الصحافة الورقية او التلفاز او اية وسيلة اخرى كل له دور يؤديه لكن التلفاز اعطى حركه للخبر و اصبح التفاعل بين المتلقي و الحدث اكبر.
علاقة حميمة...!
جاءت الإذاعة في ظرفيتها الزمانية والمكانية آنذاك فعلاً تقدمياً في الحالة الإعلامية، وأضحت وجهة الشباب نحو المسموع، لكن دورها اليوم لم يعد ريادياً لتأثرها بالثورة المعلوماتية الهائلة، وتحاول الإذاعة اليوم عبر برامجها التي تعتمد على السرعة والصوت الجميل استعادة جمهورها الذي فقدته، وتعتبر الإذاعة فعلاً موجهاً يصبو ليكون له دوره الفاعل والحقيقي في مخاطبة الجيل الشاب، وتكوين ثقافته وآرائه نحو المواضيع كافة وتوجيه مداركه في كافة الحقول...!
ويقول المهندس محمد المفتاح عن الإذاعة ودورها: إن متابعتي لوسائل الإعلام كانت مبكّرة جداً، ولولا جهاز "الراديو" لما تمكّنت من أن أنتصر للفلسطينيين أثناء مذابح أيلول الأسود في الأردن عام 1970م، ولما عرفت فيروز عندما كنت أتابع برنامج (مرحباً يا صباح) للمذيعين نجاة الجمّ ومنير الأحمد في الإذاعة السورية، أما الصحف الورقية فكنت انتظرها مع نهاية الأسبوع حيث كان يحضرها أخي الذي كان يدرس في جامعة حلب آنذاك، لكن التطوّر التقني المتسارع لوسائل الإعلام يوجب مواكبة هذا التطوّر ومجاراته حتى لا نبتعد عن الركب الحضاري، وهذا الأمر يتطلب جهوداً مضاعفة تُضاف إلى الجهود التي يتطلّبها واجب العمل الوظيفي أو المهني.
ويضيف المفتاح: لقد فقدت الإذاعة علاقتها الحميمة مع المتلقي، وأصبحت جزءاً من الماضي وذكرياته الجميلة، وجلّ من يستمعون للإذاعات حالياً ربّما يكونون في سفر، ويستمعون لها لقضاء الوقت والتسلية على الطريق أو لسماع نشرة أخبار...!
ويرى الصحفي الشاب مرهف مينو: إن الشريحة الغالبة تتجه نحو الرؤية البصرية حيث أصبح من الصعب إقناع المتلقين بالصوت فقط، في ظل انتشار التكنولوجيا البصرية، أما ثقافياً وتعليمياً فإن الإنترنت يؤدي دوراً كبيراً، لكن لا يمكننا أن ننكر دور الإذاعة التي ساهمت في وصولنا لما نحن فيه اليوم، فمعظم المكتسبات التي تحققت هي بفضلها تقريباً.
مابين الشعبوي والنخبوي...!
بعد الكلمة المقروءة والمسموعة جاءت الصورة وفرضت نفسها بقوة، وعبرها أصبح الإعلام المرئي له الريادة في القيادة الإعلامية ردحاً طويلاً من الزمن وخاصة بين شرائح الشباب الذين يقضون جلّ وقتهم متسمرين أمام هذه الشاشة التي تلعب دوراً حيوياً لا يقل عن المؤسسة الأسرية والتربوية، وأصبح هذا المذيع أو المذيعة وذاك الممثل أو الممثلة قدوة لشبابنا إيجاباً أو سلباً في المأكل والمشرب والملبس، ويحتل التلفاز المرتبة الأولى من حيث نسبة المتابعة، ويُعد المصدر الأول للمعلومات كونه وسيلة إعلامية شعبوية وليست نخبوية...
تقول الشابة لينا مطر: نادراً ما أجد الوقت لمتابعة التلفاز ومشاهدة برامجه، لذا أجد في "الفيسبوك" اهتمامات كثيرة تشبه اهتماماتي، وأستطيع عبره أن أتواصل بشكل مباشر مع عدة أصدقاء من مختلف أنحاء العالم وبالتالي اكتساب معلومات والتعرف على حضارات وثقافات متعددة، كما إن تزايد عدد القنوات الفضائية اليومي يساهم في تشتيت فكر الشباب وتشويه ثقافتهم، حيث إن لكل قناة سياسة معينة تحاول ترسيخها عبر ما تقدمه من برامج، وهذا يؤثر سلباً على المجتمع...!
ويرى الشاب مازن خليل: أن التلفاز هو الوسيلة الإعلامية بلا منازع وخاصة أنه يعتمد على وسائل وتقنيات جديدة حديثة، وهو متجدد عبر ما يقدمه من برامج وتنوع قنواته ومحطاته، وهو مُتاح للجميع لذا نجد أنه الوسيلة الإعلامية الأكثر متابعة والمصدر الأول للأخبار والأحداث.
صناعة القرار...!
أمسى الإعلام اليوم صانعاً للقرار بفضل الإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي التي حولت الإعلام من مجرد آلية لتوصيل الخبر، إلى قوة لازوردية تؤثر بشكل سحري في جمهور الشباب، ومن ثم تساهم في تشكيل مفاهيمهم وتوجيهها، لا ليساهموا في صنع القرار فحسب، إنما ليصنعونه بأنفسهم بما يتناسب وتطلعاتهم، وفي ضوء ما يحدث حالياً في العالم العربي والثورات التي يشهدها لم تعد الصحافة هي السلطة الرابعة إنما أضحت سلطة أولى بلا منازع، وهذا ما أرادته له السياسات الحكومية المتبعة في كل دولة...!
ويقول الصحفي حسام الحمادة، مدير شبكة سيريا بوست الإخبارية الإلكترونية: "الفيسبوك" إدمان جميل، أنتج عبره الكثير من المشاريع والأحلام الافتراضية والواقعية، واعتبر نفسي مدمناً حقيقياً "للفيس بوك"، وعضواً شرهاً للنقاش والتعبير، فهو لا ينفصل عن الواقع، حتى أصدقائي فيه، حقيقيون وواقعون، التقيهم فيه، وفي الشارع، والمقهى، وأحياناً يخدمني كصحفي؛ أجد فيه أخباراً تهمني، ومعلومات أكثر عن أشخاص أنوي الكتابة عنهم.
تكامل الميديا أم تصارعها..؟
إن صدور أول صحيفة ورقية عام 1506م، كان له تأثيره الكبير على حياة البشرية، حيث أسس لعالم جديد، ومع ظهور المذياع عام 1896م، بدأت الصحف الورقية تفقد شيئاً من بريقها، وبدوره فقد المذياع جزءاً من دوره مع ظهور التلفاز في عام 1926م، واعتلائه عرش الإعلام، وظهور الشبكة العنكبوتية في العقد الأخير من القرن الماضي، وفي القرن العشرين بدأت الصحف المكتوبة تقاوم كل الاختراعات التكنولوجية الحديثة ابتداءً من المذياع مروراً بالتلفاز وانتهاءً بالشبكة العنكبوتية، ولكن مع بداية القرن الحالي أصبحت الصحافة المكتوبة بشكل عام عرضة للزوال، ولاسيما بعد التوسع الهائل الذي تشهده الثورة المعلوماتية والتي يعتبر الإنترنت الفضاء الرئيسي لها.
لكن ومما لا شك فيه أن كل وسيلة إعلامية تتميز بخصائص معينة تختلف فيها عن غيرها، واختلاف الخصائص يرجع إلى اختلاف الأدوات والأفكار ووجهات النظر، وتداخلات الواقع المعاش.
ويرى الصحفي الشاب "علي المحمد" أن الإعلام الإلكتروني يأخذ الصدارة حالياً، وقد ساهم في تراجع مبيعات الصحافة الورقية فوفقاً لتقرير نشرته(paper cuts) فإن 15974 صحفياً خسروا وظائفهم في عام 2009 ووصلوا مع نهاية 2010 إلى 26000مراسل ومحرر ومحلل سياسي أو اقتصادي، بالإضافة إلى انهيار توزيع الصحف والجرائد وتراكم الديون والخسائر عليها وأصبح كثير من الصحفيين التقليديين بلا عمل...!
والصحف التي لم تدرك أننا نعيش في عالم له آلياته الاتصالية الجديدة وأن الخيارات أمام القارئ اتسعت بشكل غير مسبوق ستنقرض ولو بعد حين...!
وإذا لم تكن الإدارات الصحفية ذاتها واعية بمتطلبات هذه الميديا من إدارة دفة العمل في عصر يموج بالتحدي والمنافسة ستزول آجلاً أم عاجلاً...!
ويقول الشاب حسام السقا: إن الصحيفة الورقية تناسب من بلغ العقد الخامس أو السادس من العمر، ولم تعد تتناسب مع عصر السرعة الذي تفاعل معه الشباب بكافة تفاصيله من الأطعمة والوجبات السريعة وصولاً إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذي خلق للشباب عوالم خاصة وأفقاً أوسع...!