تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


صناعة المستقبل..

ثقافة
الخميس 13-3-2014
ديب علي حسن

تروي الكتب المعنية بتاريخ الولايات المتحدة الاميركية انها امة القطيعة وصاحبة رسالة النبوة والتغيير كما يدعى المؤسسون عندهم، تروي ان اثنين من مفكريها التقوا في نقاش مستقبلي

وكانت حلقة بحث في مراكز دراسات معنية باليوم والغد والحاضر، ناسية الماضي الذي نحن نعيشه ويتحكم بنا بيومنا وبحياتنا بهمسنا ولمسنا بماء شربنا وكأننا امة تحكمها اشباح الموت، بل يحكمها الموتى من المقابر، وربما لا نصبح اكثر فاعلية الا بعد رحيلنا وحين نتحول الى اجداث، وتنسج حولنا الاساطير ووووو.‏

المهم في الامر ان هؤلاء المجتمعين كانوا يناقشون حدود الولايات المتحدة الاميركية الجغرافية والزمنية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، يرسون خطوطا عريضة لصناع القرار , وحين احتد النقاش سأل احدهم: هل لكم ان تعرفونا على حدودنا؟ فرد احد المفكرين قائلا: انها تمتد من حدود العماء الاول حين كان الانفجار الكوني الاول الى اليوم والى ان ينفجر الكون ثانية هذا زمنيا، اما جغرافياً فحدودنا الى حيث تصل آلات علمنا وادوات التكنولوجيا وهي قادرة ان تصل الى كل بقاع الكون وما خارجه , رد الاخر قائلا: يا لها من حدود ضيقة ؟ولكن كيف تكون حدودا ضيقة وهي تشمل الماضي والحاضر واليوم والغد ؟‏

أليس في الامر احجية اليس لغزا ؟ لكن ماذا لو ذهبنا في التحليل وحسب ما تقدمه مراكز الدراسات الاميركية نفسها في الماضي وحدوده، الامر بين وهين لقد استطاعوا ان يشوهوا تاريخ كل الامم والحضارات بل نسبوا اليها كل الموبقات وبدا العالم وكأنه كان في العمه الاول منتظرا ولادة الولايات المتحدة الاميركية على جماجم الهنود الحمر ولادة امة سمت نفسها امة القطيعة والرسالة , القطيعة مع تاريخ لا تعترف به أمة الرسالة لرسم ملامح الغد كما تريد وتشتهي، وكما تتحقق مصالحها وتمتد امبراطوريتها النفعية التي لا ترى، ان ثمة شيئا في هذا الكون خارج اطار خدمة ما يريده السيد الاميركي.‏

من هنا تتقاطع المقولات الاولى مع افكار التوراة والتلمود وصناع الموت والقهر والقتل والاضطهاد , ولا يظنن احد ما في العالم ان البنية الفكرية التي تجمع بين شعب الله المحتار والمحتال والذي يسمي نفسه المختار ( اليهود) قابلة للانفصال والانكسار، لا ابدا بل هي تزداد رسوخا وتعاونا لاسيما ان التقاطعات تزداد وتتلاحم في مختلف النواحي العملية والفكرية والاجتماعية والنفعية، وكلا الجانبين يعمل على تطوير افكاره العنصرية , ومن يعتقد ان العالم قد غادر عالم التمييز العنصري فهو واهم تماماً، فالآن تبدو العنصرية بأشد حالاتها تجليا وقدرة على الفتك بعد تطوير الادوات والاساليب التربوية والاعلامية، ومن ثم العمل على غزو العقول وحشوها بما يريد السيد الاميركي، ومن ثم تدمير المقدرات والاوطان بأيدي ابنائها وبدعم مالي وعسكري مباشر او غير مباشر , وتطبيقات ذلك على الارض ماثلة امامنا بدءا مما سمي الربيع العربي انطلاقا من تونس ومرورا بليبيا ومصر، والغاية كانت ان يصل قطار وشبح الموت والتدمير الى سورية وبأدوات عربية ومال عرب لم يكن يوما ما في خدمة الشعوب ابداً، بل كان وبالا عليها , والغاية الاساس هي تدمير الدولة السورية لانها أمة النهوض والانبعاث والتقدم والرقي، وهذا غير مسموح به لدى صناع القرار في الغرب ولاسيما الولايات المتحدة الاميركية , فالمطلوب ان نبقى في دائرة الخدمة والاستهلاك والعمالة الرخيصة التي توفر اسواقا للاستهلاك لا لشيء الا من اجل ان يبقى السيد الاميركي يفرك يديه فرحا وهو يحصي ارباحه، ويبقى اليهودي الثري يكدس المزيد من المال في البنوك، ويبقى الاعراب يقيمون الليالي الحمراء في ملاهي واقبية صنعت لهم , وبالمحصلة ثروات تنهب ومقدرات تضيع وامكانات لايمكن لنا ان نستخدمها ابدا الا في خدمة اعدائنا.‏

هؤلاء الذين رسموا حدود الولايات المتحدة من العمه الأول الانفجار الذي يرث الارض وما عليها هم انفسهم بطرق والوان وأدوات أخرى يحطمون ما بقي امامهم من حواجز ومعوقات في أي مكان من العالم، لايريدون الشرق النوراني ان يبقى مشعا وقلبه سورية , وما يجري في أي بقعة منه ليس الا في هذا الاطار , من اوكرانيا إلى الصين إلى..... كله اعد ورسم بعناية ودقة، وليس إلا مرحلة من مراحل التفتيت وسلب الارادات، ولم يكن بعيدا عن هذا المعنى السؤال الهام الذي طرحه الرئيس بوتين حين سأل: لماذا يعملون على تفتيت الشعوب وتدمير الدول ؟ وحدنا ربما نحن الاعراب من لا يملك ذاكرة حقيقية، ولا يعرف إن الغد ليس لنا إلا إذا صنعناه بأيدينا لا بمستوردات وتقنيات قد لايحسن الكثيرون استخدامها، أليس من الواجب على مراكز دراساتنا وبحثنا - إن وجدت - أن ترسم ملامح الغد وفق رؤى ودراسات استراتيجية، وهل نقرأ ما كتبه نعوم تشومسكي (صناعة المستقبل) خارج اطار التنظير لمستقبل الولايات المتحدة الاميركية، وهل نقرأ قول أحدهم وهو اميركي: نحن نصنع التاريخ وعليكم أنتم ان تحللوا ما صنعناه ؟ ولعل القول المشهور: علينا ان نفهم العالم يصبح اكثر دقة حين نقول: علينا ان نفهم انفسنا اولاً ونفهم العالم لتغييره نحو الاحسن، فليس كل تغيير هو الافضل لا أبداً، فما نراه الآن هو نكوص إلى مرحلة ما قبل الحيونة وليس الكثيرون ممن يفتكون بالأمة ومقدراتها في أحسن الأحوال افضل من حمير غير مروضة أبداً، سلطت عليها حشرات تلسعها وافلتت في حقل ورود نضرة ومن على القمة ثمة من يعد قطعاناً أخرى بمسميات مختلفة، ألا يحرث هؤلاء مستقبلنا كما يشاؤون؟‏

d.hasan09@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية