مجرد صدفة خلقت لدى هاروكي موراكامي شغفاً دفعه طوال سنين إلى جمع المال ليفتح بعد ذلك حانة للجاز في طوكيو.
لم تكن الموسيقا لدى موراكامي حالة لذة تنفصل عن عالم إبداعه الروائي.. إنما تدخل في نسيج بنائه السردي.. كمكوّن عضوي يصعب الفكاك منه.. حتى إن القارئ لأعماله يكاد يشعر أنه يحظى بدرس موسيقي إن كان عبر عناوينه التي هي بغالبيتها عناوين لأغانٍ لربما أحبّها وتأثر بها الروائي.. أو عبر شخصياته التي يخلقها ذات شغف موسيقي واضح.
يقر موراكامي أن الموسيقا علّمته فجعلته يدرك وجوب أن يحظى الأسلوب دائماً بإيقاع ثابت وطبيعي.. في أدبه يسير على قاعدة (اكتب كأنك تعزف).
في موقع (لادبروكس)، أشهر المواقع الأدبية، يتردد اسم الروائي الياباني المولود في طوكيو عام 1949، أكثر من غيره محتلاً المرتبة الأولى في قائمة الترشيحات.. فهل تحصد القارة الآسيوية جائزة نوبل للآداب للمرة الثانية على التوالي بعدما نالها العام الماضي الصيني مو يان؟
بعض المراقبين لهذا العام يعتبرونه الأوسع شهرةً والأوفر حظاً على الصعيد العالمي بين المرشحين.. بينما بعضهم الآخر يقلل مثل هذا الاحتمال على الرغم من أن موراكامي كان ورد ضمن الأسماء التي رُشحت للجائزة السنة الفائتة.. ويتردد اسمه أكثر من غيره إن كان في الصحف العالمية أو في المواقع الإلكترونية.. كنوع من الإقرار بأهميته والاعتراف به واحداً من أفضل روائيي العالم.. ولهذا لا يبدو مستغرباً الزخم الكبير الذي يحظى به للترشيح لنيل أهم جائزة أدبية سيُعلن عنها في العاشر من الشهر الحالي.. وربما يؤجّل إعلان اسم الفائز لأسبوع آخر إن لم تتوصل لجنة التحكيم إلى قرار نهائي.
في عامه التاسع والعشرين كان أن كتب موراكامي روايته الأولى بعدما درس المسرح. أعمال البدايات لم تقابل بالترحيب في اليابان لاسيما بالنسبة للنقاد الذين أخذوا عليه احتقاره للتقاليد اليابانية وإشاراته الواضحة والمتكررة للثقافة الغربية.
لفت الانتباه إليه عام 1987، عبر روايته (الغابة النرويجية) وهي عنوان أغنية للبيتلز، وتروي قصة مجموعة من الشباب يعيشون في مصحة.. لتصبح فيما بعد الرواية المفضلة لجيل الشباب.
يكسر موراكامي حالة الانغماس بمواضيع محلية تخص بلاده فقط.. من خلال تطرّقه لمواضيع تشغل القرّاء في جميع أنحاء العالم، مثل الوحدة وعبثية العالم المعاصر والملل والضياع.. ولهذا يبدو لدى بعض النقاد الكاتب الياباني الوحيد الذي استطاع التحرر من النمطية الاستشراقية التي تطبع الأدب الياباني.. فلا يُنظر إليه على أساس أنه كاتب ياباني.. ومع ذلك لم تحظَ «الغابة النرويجية» بترجمة إنكليزية حتى عام 2000.
في نيسان الماضي صدرت للروائي روايته الأحدث (الباهت وسنوات الترحال) اللافت أن قرّاءه اصطفّوا عند منتصف الليل في إحدى مكتبات طوكيو متلهفين للحصول على نسخة من عمل روائيهم المفضّل.. فأي وصفة يطبّقها موراكامي الملقب (تسونامي الأدب) جذباً لقارئه؟
يصف البعض أسلوبه الأدبي وكما لو أنه سمٌ بطيء يبدو للوهلة الأولى عادياً ليس بذي أهمية.. لكنه سرعان ما يقتنص القارئ بعلاقة جذب قوية لاكتشافه أن أعماله، ببساطة، تتحدث عنّا.. تدور حولنا.. تنتمي وتحكي عن العالم الذي نحيا فيه.
من أشهر رواياته إلى جانب «الغابة النرويجية» يُذكر: «كافكا على الشاطئ» التي أوصلته إلى جائزة كافكا، ورواية «رقص، رقص، رقص».. وآخر أعماله كان «انعدام اللون» صدرت مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية بذات الوقت الذي نشرت فيه باليابان.. أما عن سبب تسميتها بطريقة تخالف عادته في اختيار عناوين مأخوذة من أغانٍ شهيرة، يوضّح أن كل مَن في الرواية تحتوي أسماؤهم على لون، عدا البطل الذي لا يحتوي اسمه على معنى لون ولهذا جاء اسم (عديم اللون) للرواية.
ممن ذُكرت أسماؤهم ضمن قائمة ترشيحات (لادبروكس) الكاتبة الأميركية جويس كارول أوتس.. والكاتب الكيني نغوجي واثيونغو الذي ترجم له سعدي يوسف إلى العربية (تويجات الدم) و(تصفية استعمار العقل).. كما يرد اسم الروائية الجزائرية آسيا جبار.. ويتساءل المتابعون عما إذا كانت نوبل ستذهب إلى كاتب أميركي بعد عشرين عاماً على آخر أميركي فاز بها حين مُنحت للكاتبة توني موريسون عام 1993، حيث يرد في ترشيحات أخرى أسماء كل من الأميركيين فيليب روث وتوماس بينكون.