قد يكون كفيلاً بأن يخرج لبنان من نفق الحاجة المستمرة والمتجددة للمنح والتسهيلات المالية الدولية التي تعقد لها مؤتمرات شبه دورية.
على أن تحقيق هذا الأمر دونه عقبات وتحديات، قد يكون أعظمها، على الصعيد الخارجي، تحديد حقوق لبنان تحديداً لايحمل لبساً في حقول النفط والغاز البحرية، كما قد يكون أهمها، على الصعيد الداخلي، التوصل إلى قواعد واضحة تحكم علاقة لبنان بالشركات المنقبة.
وبالفعل، يتضح من آخر تقريرجيولوجي أميركي للحوض الشرقي للبحر المتوسط أن الحقول المكتشفة تحوي من حيث المبدأ كميات تقارب 122 تريليون قدم مكعب من الغاز وكميات هائلة من النفط، وهي قد تغطي كل الغرب اللبناني من شمال سلسلة جبال لبنان الغربية إلى جنوبها، ومن هذه الحدود إلى عمق المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تحددها اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار، بما لايمكن أن يتخطى 200 ميل بحري (370كيلو متراً) تبدأ من نقطه خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي.
وهذه المعاهدة التي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 16 تشرين الثاني 1994، لم تنضم إليها «إسرائيل» حتى اليوم، مايعني أن الإشكالية الكبرى تكمن في عدم اعتراف «إسرائيل» بالأطر القانونية الدولية لاسيما لجهة تعريف وتحديد المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة وسيادة كل بلد عليها، وهذا مايعرض حقوق لبنان للاغتصاب فتطور تكنولوجيا التنقيب بات يعتمد حفراً باطنياً أفقياً للآبار مايعني أن الآبار الجوفية للنفط والغاز التي تقع على الحدود البرية أو البحرية (وهي آبار لاتعترف بالحدود السياسية) ستكون جائزة لمن يحفر أولاً، إذ يمكن من يبدأ الحفر أن يشفط أفقياً كل مايمكن أن يكون تحت أرض أو بحر البلد المتاخم والخرائط التي وضعتها وزارة البنى التحتية الإسرائيلية تشير إلى أن أكبر آبار الغاز الأرضية يقع إلى جنوب الحدود اللبنانية، في المسافة الموازية ما بين قرية العديسة وصولاً إلى قرية الغجر.
وتكمن الإشكالية الرئيسية الثانية في إيجاد آلية تسهل حل أي خلاف أو نزاع بين بلدين هما فعلياً في حالة حرب (بالرغم من عدم اشتعال الأعمال الحربية، إلا أن السيادة اللبنانية هي ضحية شبه يومية لعمليات انتهاك إسرائيلية عدائية)، والحال أن «إسرائيل» لاتريد للأمم المتحدة أصلاً أن تتدخل في النزاع، لماذا؟ لأن أحد أبرز أسباب افتعالها هذا النزاع هو دفع لبنان إلى التفاوض معها بغية التوصل إلى اتفاق ثنائي يحقق لها فائدتين: تكريس قبول لبنان بالتفاوض المباشر معها، وتكريس «حقها» كلياً أو جزئياً في المساحة البحرية التي اقتطعتها من منطقته الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط.
وإزاء تمادي «إسرائيل» في الاعتداء على حقوق لبنان البحرية وعدم تجاوب الأمم المتحدة معه في تثبيتها، أعلنت المقاومة اللبنانية قبل أشهر التزامها تحرير المساحة المغتصبة في منطقته الاقتصادية الخالصة.
غني عن البيان أن «إسرائيل» تدرك قدرة المقاومة، بالصواريخ الموجهة التي تمتلكها، على تدمير التجهيزات والمنصات التي ستقيمها في المنطقة البحرية المغتصبة كما تدرك مدى خطر الصواريخ الموجهة عليهاعموماً وعلى منشآتها الغازية في البحر والبر خصوصاً.
و«إسرائيل» الساعية دوماً إلى السيطرة على الخيرات الفلسطينية واللبنانية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، تعّول استراتيجياً على حقلي «تامار» و«ليفياتان»البحريين اللذين قد يحويان مايوازي 24 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويقع الحقل الأول على بعد 90 كيلو متراً، والثاني على بعد 130 كيلو متراً غرب مدينة حيفا.
وهذان الحقلان يكفيان ليس فقط لسد النقص الهائل من الموارد الطبيعية التي تحتاجها «إسرائيل» بل يجعل منها دولة نفطية جديدة، مايمكنها من جهة، أن تتجاوز مؤقتاً فكرة الاضطرار إلى الاعتماد على الطاقة البديلة من هواء وأشعة الشمس، وتصدير الفائض منه (ولاسيما إلى أوروبا) ودخول نادي الدول المتحكمة بأسعار هذه السلعة النادرة، ومن جهة ثانية ينزع من يد الدول العربية ( التي تتحكم بـ 75٪ من احتياط النفط العالمي) أهم سلاح اقتصادي يملكونه على الساحة الدولية، ومن جهة ثالثة يحررها من بعض التبعية المالية للولايات المتحدة الأميركية، مايعني تحررها من أي ضغوط لاحقة قد يمكن أن يطمح أحد بأن تمارسها أي إدارة أميركية في اللعبة السياسية الدولية، وهو مايكفي لإطلاق الجنون الإسرائيلي من عقاله.
ثم أن الخطورة الأعظم تكمن في أن بعض التحالفات التجارية بين شركات أميركية وإسرائيلية تتكىء على التوراة وتفسير ماجاء فيها للتأكيد من جهة أن الحق بالنفط والغاز هو حق يهودي أزلي إلهي وعد به الشعب المختار تماماً كما وعد بالأرض، ودليلهم إلى ذلك ماجاء في «سفرتثنيه الاشتراع»، يركبه على مرتفعات الأرض فيطعمه من غلات الحقول ويرضعه من الصخرعسلاً ومن صوان الجلمود زيتاً، وأيضاً، وقال ليوسف «مباركة من الرب أرضه له طيبات ندى السماء والغمر الرابض في الأسفل».
وهو مايشير إلى أن قواعد القانون الدولي، لاتشكل سنداً كبيراً لأي مطالبة لبنانية سيادية سواء بالثروات أو ترسيم الحدود، وهوأمر لوقيضّ لإسرائيل أن تحشد تأييداً دولياً بذلك، أو أن تقتنص وضعاً عسكرياً جديداً لها إثر عدوان قد يكون مرتقباً، أن ترسم خطاً أزرق بحرياً يمنع من حيث المبدأ لبنان من استخراج ثرواته الباطنية، إلى حين التوصل إلى سلام دائم معها، ساعة إذن ستكون «إسرائيل» استخرجت مايكفي من النفط والغاز من حقول مشتركة مع لبنان واستأثرت بعائداتها.
ومن هذا المنطلق، يصبح من البديهي أن يضع لبنان خطة سريعة لحماية قطاع النفط والغاز من الأطماع الخارجية، ولاسيما أن جميع اللبنانيين يعولون على دوره في تنمية اقتصادية موعودة وهوبات اليوم، وقبل بدء التنقيب عنه،جزءاً من الصراع اللبناني «الإسرائيلي».