تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قوة السياسة وواقعية التعامل مع الأحداث

شؤون سياسية
الخميس 13-3-2014
بقلم الدكتور فايز عز الدين

مازال التاريخ هو الحكم على السياسة والناس. والذين يحاولون فرض العقل اللّاتاريخي لا بد أن ينضمّوا إلى جوقة أعداء الشعب في كل حين. فالتاريخ تحركه تطلعات الشعب نحو حاضر ومستقبل يؤمّنان الحدَّ الأدنى من كرامة العيش والوجود البشري،

وكل من يواجه هذه التطلعات هو ليس بوارد الانخراط في مشروع وطنه، بل هو أداة لمشروعٍ آخر من خارج الوطن. وهنا نجد هؤلاء لا يهتمون بالتاريخ، ويعطّلون ثقافته في الوعي الوطني حتى يبقى فضاؤهم أوسع في التحريف والتزوير، والتغرير. ونلاحظ عند هذا النمط العميل من الناس أنهم لا يريدون المراجعة السياسية، ولا كافة صيغ التقويم الحقوقي حتى يستبقوا صورة العدو غير محسومة في العقل الوطني الجمعي طالما أن الهدف عندهم هو الانقضاض على الوطن ومن المطلوب والحالة هذه دوماً أن ينقلب العدو صديقاً, ويتحول الصديق إلى عدو.‏

لم نكن – في فضاء العروبة الراهن- محتاجين إلى العقل التاريخي، والمراجعة السياسية بقدر ما نحن عليه اليوم. باعتبار أن العدو الصهيوأميركي وتحالفاته الأوروبية والعربية العميلة لا يمكن أن يقبل أي نسبة من نسب بناء القوة عند العرب, ولا سيما في سورية ومصر والعراق لأن هذه الدول لها خاصيتها في فهم الأمة العربية كأمةٍ واحدةٍ، وفي فهم الحق التاريخي لها بأن تملك دولتها القومية الموحدة. ومن هنا نلاحظ التركيز الاستعماري الصهيوأميركي على وضع كافة الخطط الجيواستراتيجية لكي تتم السيطرة المستمرة على هذه البلدان العربية المحيطة بالكيان الغاصب والمالكة في سياساتها الجذورَ الأساسية لقضية الصراع العربي ضد الصهيونية ولم تحذف من أدبياتها هذه الجذور بعد.‏

وبناء عليه حين نراجع الخط التاريخي للعمل العربي منذ الحرب العالمية الثانية ونهايتها عام 1945 سوف نجد كيف هَجَمَ الحلف الصهيو أميركي أوروبي ومعه العملاء في السعودية على شعارات التضامن العربي حتى تكون الفرصة مفتوحة أمام الصهاينة لاحتلال فلسطين. وكيف تمّ تعطيل إرادة العمل العربي المشترك المؤدي إلى تطوير التضامن باتجاه التّوحّد العربي بين قطرين أو أكثر، وكيف جعلوا الجامعة العربية مطيّة لغطرسة الحلف الصهيوأميركي ونسفوا دورها الوحدوي. وحينما قامت أول نواة عربية للوحدة بين سورية ومصر عام 1958 كيف قاوموها ومنعوا – ما أمكنهم – الانضمام إليها حتى تمكّنوا في 28/09/1961 من اغتيالها بالانفصال.‏

أولئك هم الآن ما زالوا في المهمة ذاتها يدمرون الفكر العربي الذي يمكن أن يؤسس إلى عقيدة جامعة، وقد وقفوا منذ تاريخ الاستقلال العربي عن العثمانيين والأوروبيين ضد الرابطة القومية عند العرب، وهي بالأصل شعورٌ راسخٌ في الوجدان الجمعي العربي لكن قاوموه بادعاء الفصل بين الدين والدولة. والقومية العربية في جذرها الواقعي كحقيقة موضوعية تمثل حركة تحرر للعرب من كافة أشكال الاستعمار والتبعية ولأنها تحولت هذه القومية إلى لاحمٍ مصيري بين أبناء الأمة الواحدة خشي منها الحلف المعادي وسخّر عملاءه لكي يقاوموها قبل أن تصل بالعرب إلى تحقيق الدولة القومية الواحدة على غرار دول العالم، وهنا يصبح المشروع الصهيوني على قيد الزوال، والوجود الاستعماري برمته سيزول من أرض العرب. ولهذا تم تسخير العملاء من السعودية والخليج عربياً، ومن الدول الإسلامية التي تسير في الركب الصهيوأميركي حتى يضعوا الإسلام السياسي بديلاً روحياً عن الإسلام الصحيح. وحين نراجع في تاريخ ذلك الزمان سنجد أن عرباً عملاء وافقوا على اقتطاع أرض عربية وإعطائها للمستعمرين والأعداء، ومسلمين يدّعون الإسلام ويفرطون لعدوهم بالمقدسات الدينية وفي طليعتها القدس. وللتذكير فقط ظلّت إيران في ظل الشاه تمثل أخطر من إسرائيل بالنسبة للعرب وكانت في حلف مع العرب العملاء، وحينما انتصر فيها الإسلام الصحيح وحملت مسؤوليتها الإسلامية في تحرير القدس اجتهدوا حتى اللحظة لجعلها العدو الأكبر وإسرائيل صارت الصديق المخلص. هذا هو تاريخ العرب العملاء للصهيونية، وما زال هذا التاريخ تاريخهَم حتى الآن فهم كانوا وما زالوا وراء انحراف الإسلام بالصورة السياسية عن موقعه الطبيعي في تحرير العرب، وهُمُ من قاوم القومية، والعروبة لكي لا يلتحما بالإسلام الصحيح، وهم من صدّر لنا الفكر المتطرف التكفيري الذي يقوم على ضرب مقومات العقد الاجتماعي الثقافي التاريخي عند العرب. وقد حوّلوا في عمالتهم الفكر المتطرف من فكر عابر إلى فكر مستوطن، وجعلوا العمالة وجهة نظر فصاروا يطالبون إسرائيل باحتلال أجزاء من سورية حتى يتم تشريع التدخل وتدمير الوطن والدولة.‏

وهنا أصبحنا أمام ظاهرة خطيرة من اللّاوطنية ومن وقاحة العمالة. إذن العملاء الذين ما زالوا منذ تاريخ الاستقلالات العربية حتى الآن يحطّمون الوعي القومي الصحيح، والرابطة العروبية الصحيحة، والإسلام الإيماني الصحيح، هؤلاء الذين من المنتظر منهم أن يجلبوا إلى الشعب في سوريا الحرية والديمقراطية والسيادة والاستقلال نعم حرية العرب من عند إسرائيل وأميركا وبريطانيا وفرنسا، واحتلال العرب من عند الدول العظمى التي تريد تطبيق العدل والقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة التي تصر على حق تقرير المصير لكل شعب بإرادته الوطنية الخالصة وبدون أي تدخّل في الشؤون الداخلية للأمم. وبناء عليه حين نقرأ في السياسة السورية منذ الثامن من آذار 1963 حتى اليوم سنتابع الخط التاريخي لقوة السياسة والإرادة العروبية السليمة حيث لم تتعطل البوصلة السورية واستمرت هذه السياسة تشيع الفهم القومي المخلص لقضايا العرب القومية العادلة، كما استمرت في التعامل الواقعي مع الأحداث بإصرار كبير على المصالح العليا للشعب العربي في كل أرض عربية، وطالما أن سورية قد عززت جبهة المقاومة ضد الكيان الصهيوني، وما زالت بوصلتها باتجاه الحقوق العربية التاريخية في كل أرض للعرب اغتُصبت من فلسطين إلى أي دولة عربية فإنها سوف تبقى حصن الأمة؛ والحلف المعادي وعملاؤه لا يريدون للأمة حصناً منيعاً فعملوا، وما زالوا على تدمير سورية الوطن والشعب والتاريخ، لكن الشعب حين أدرك هذا أخذ بزمام المبادرة والعملاء اليوم ومؤامرتهم من هزيمة إلى أخرى حتى تشرق شمس الوطن الحر بإرادة الوطنيين فيه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية