تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل تتحول ليبيا إلى عراق آخر؟!

لوفيغارو
ترجمة
الأربعاء 15-2-2012
ترجمة: سهيلة حمامة

هل ستصير ليبيا الجديدة عراقاً آخر على المتوسط؟ وهل ستفضي عملية الإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي التي تمت بدعم أطلسي وضغط فرنسي شديد إلى فوضى على شاكلة تلك التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق؟

تساؤلات كان قد طرحها بعض المعلقين السياسيين بالاستناد للتحذيرات الليبية الجديدة التي تفيد باحتمال حدوث مواجهة واحدة علي الأقل أسبوعياً بين الميليشيات المسلحة على الأراضي الليبية و حتى في قلب العاصمة طرابلس..‏

وأما الأمر الذي زاد من توجس المعلقين السياسيين فهو إصدار إنذار شديد اللهجة من قبل المجلس الانتقالي في ليبيا مفاده «أنه ينبغي علينا الخيار إما في اتجاه الرد الحاسم على المعارك الدائرة بين الميليشيات و التي من شأنها قيادة الشعب الليبي إلى مواجهة عسكرية لا نقبل بها بحال من الأحوال، و إما الرضوخ و التسليم للانقسام والانشقاق المحتمل و الاستسلام بالتالي لحرب أهليه (..).. وبالطبع ما من أمنٍ يمكن توفيره على أرض الواقع ما دام المقاتلون الليبيون لا يكفون عن الإصرار بعدم إلقائهم السلاح جانباً.. وفي المقابل يرفض الثوار منهم تسليم سلاحهم وهم شديدو التمسك به بحجة مكافحة نظام القذافي، وما تقتضيه الظروف الراهنة وكذلك تحت ذريعة حجج أخرى متعددة، ولا ينفك هؤلاء يعملون على فرض استبدادهم بشتى الطرق.. ويحاولون استغلال مفارق الطرق في بلادهم لابتزاز المارة و ترويع من ارتسمت على وجوههم سيماء الطيبة ومن كان منهم غير ذلك، فإنهم يسارعون لاعتقاله ورميه في السجون بشكل عشوائي دون أدنى مراعاة للأحكام القضائية في البلاد..‏

أظن أن الجميع تنبه لنيات القادة الليبيين الجدد في محاولتهم لتطبيق مبادىء الشريعة،، وإذا ما أمعنا النظر أيضاً نجد أن الميليشيات تطمح لفرض استبدادها الغاشم، الأمر الذي سوف يفضي بالتأكيد لتفجر وشيك للنزعات المحلية و الأصوليات الدينية، ولتقود هذه الأخيرة بطبيعة الحال إلى تشكيل مزيج ناري محتوم يخلق بالضرورة عراقاً مستنسخاً على الأراضي الليبية في كامل جغرافيتها..‏

وأرى أنه من المناسب مع ذلك عدم اللجوء للتسليم بأي مقارنة مبكرة وقبل أوانها، أو بتحليل لاذع، فليبيا ليست العراق بأي حال، في عام 2003، ناهيك عن أن سقوط نظام القذافي لم يخلق حوادث فوضى أو عمليات سلب و نهب كما كان عليه الأمر عقب رحيل صدام حسين من السلطة، كما لم يتربص على الأراضي الليبية احتلال عسكري أجنبي مباشر، فضلاً عن وجود اختلاف جوهري بين هذين البلدين يكمن في تحالف الخط مع ليبيا بعدم تعرضها لحصار مدمر على شاكلة الحصار الذي لف العراق بين عامي 1991-2003.‏

وعلى النقيض من العراق وما ينطوي على خلط وتنافر وانقسام بين أطيافه في هذه الآونة وليزيد الأمر حدة القضية الكردية وظلالها الكثيف المتراخية و تقدم الجماعات البربرية لنيل مطالبهم السياسية بل و الإقليمية إلى جانب مطالبتهم الاعتراف بثقافتهم علماً أن مطلبهم السياسي يبدو بعيد الوضوح، نجد أن ليبيا تتميز بخاصية التجانس والتلاحم..‏

وبالتأكيد ثمة اختلاف جوهري و أساسي بين ليبيا و العراق يتعلق بالفترتين اللتين أعقبتا سقوط النظامين فيهما، ويمكننا إيجازه على شكل مفارقة هي التالية: في حال تم القضاء على العنف، المفروض على الشعب العراقي من خلال تدمير دولة البعث مع إرثها التليد لتقاليد بلاد الرافدين والذي يرجع لآلاف السنين» فلسوف يقود هذا الأمر لبناء دولة حديثة تصبح عامل عنف على الأراضي الليبية فيما إذا تم العمل على تأسيس هذه الدولة دونما تمييز أو تبصر.. ولعل ديكتاتورية القذافي الشاملة لا يسعها بأي حال أن تؤسس لدولة حديثة قوية ومركزية..‏

أما الثوار الليبيون وقد شق عليهم العيش دون قانون أساسي أو دستور راسخ أو إدارة غير موثوق بها أو جيش غير حقيقي لأربعة عقود خلت، فقد سارعوا لتصوير هيكلية جديدة لدولتهم العتيدة لا بأس بأن تكون شبه طوباوية تقوم على أسس أصيلة كالعدل و المساواة واحترام حقوق المواطنين والأقليات، و التوقف عن تقديم مكافآت للمقربين من حاشية الرئيس، و مقاضاة البعيدين عنها لأسباب واهية في معظم الأحيان تماشياً مع مزاج الرئيس المتقلب حسب مقتضياته و حاجاته الآنية و اللحظية.‏

هاهم الليبيون يكشفون عن سرائرهم و فخارهم الوطني والذي طالما كانت تتميز بها العشائر قبل الجميع، وذلك بعد شهور قليلة من اندلاع حرب أهلية في المدن الليبية المحاصرة..‏

غير أن الخطوة باتجاه تأسيس دولة ليبية حديثة إنما يعني وجوب تحديد قوانين عامة للجميع علىحد سواء، و الكف عن تقديم الاستثناءات و الترقيات غير القانونية و الامتيازات بغير حق، وضبط العنف الشرعي للدولة عبر جيشها و جهاز الشرطة أيضاً، و السعي لإضفاء الطابع المؤسساتي على النزاعات و صولاً لتسوية جدية بين القائمين عليها من خلال القانون أو الانتخاب.. ففي بلد كهذا لا يعرف قانوناً أساسياً أو أحزاباً سياسية أو جيشاً نظامياً منذ عشرات السنين، لا بد و أن يكون عرضة لحرب أهلية طاحنة، لذلك فالأولى بالشعب الليبي التوجه لانتخاب 200 عضو في الجمعية التأسيسية في حزيران المقبل قبل أن تنقضي عجلة الزمن..‏

ومع ذلك ما زال هذا الشعب ينظر إلى الأحزاب السياسية كعامل تفرقة و تجزئة ليس إلا رغم تطلعه لتسوية حقيقية، ويجد في القوانين والمؤسسات أداة قمع و تقشف، و الجيش ليس سوى ميليشيا بامتياز في خدمة النظام.. وانطلاقاً من هذا التوصيف، يمضي الثوار الليبيون في تقويض سلطة الدولة وصولاً لخلق سلطة أخرى تتماشى مع أهوائهم و تلبي تطلعاتهم..!!‏

وأظن أنه بدلاً من اللجوء لبناء دولة ليبية عبثية، ثمة وسيلة وحيدة تمكن السلطات الليبية الجديدة منه ضمان التعايش في حده الأدنى وبالسرعة الممكنة و تتمثل في الاستناد إلى الهيكليات المحلية العسكرية و المدنية معاً، الآتية من رحم الثورة. وبدل إصدار مرسوم بعدم حمل السلاح أو تقديم وعود وهمية لشعبهاو ينبغي إشراكه بكل فئاته في بناء دولته العتيدة..‏

 بقلم كريستوف آياد‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية