تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سورية العربية.. حدث في التاريخ وتاريخ في الحدث

شؤون سياسية
الأربعاء 15-2-2012
بقلم: د. أحمد الحاج علي

سوف يكون من خصائص الحدث السوري أنه يكتب التاريخ وكتابة التاريخ الحق مكلفة حينما يترتب عليها أن يكون زمن مابعد الحدث مختلفاً عن زمن ماقبل الحدث، وهنا تقع قصة الطاقة الشعبية والفكرية في موقع مثل سورية

والحال تبادلي فمثلما يكتب الحدث القائم التاريخ كذلك يستقبل التاريخ هذا الحدث ويعيده إلى عوامله الأولية ويستخرج منه القواسم المشتركة حتى ليبدو الواقع قائماً على فعل الحدث في التاريخ وفعل التاريخ في الحدث، وما في المسألة من غموض أو تضخيم فالحدث يسمى تاريخياً حينما تتوفر فيه ثلاثة عناصر أساسية، أولها وأهمها أن يكون هذا الحدث هو محط إجماع أكبر نسبة من القوى العالمية ولاسيما القوى الكبرى ولايهم في ذلك اصطفاف المواقف العالمية مع أو ضد سورية لأن المهم هنا هو أن مايجري في سورية يحرك العالم كله ويتحرك به وهذا دليل واضح على أهمية مايجري في سورية وعلى ما يبنى عليه من أهداف وصياغة منعطفات جديدة سوف يسلكها العالم كله.‏

وهذا هو الملمح التاريخي الكبير، وثانيها أن درجة التغيير ولربما التغيير على المستوى الإقليمي والعالمي ستكون عميقة ونوعية وشاملة فلن ينجو موقع على امتداد العالم من تأثيرات الحدث السوري وتداعياته وهذا مايعمقه الفكر السياسي العالمي الآن الذي يؤكد بأن نظاماً عالمياً جديداً هذه المرة وبطريقة الفرض وليس الافتراض سوف يلف أمم الأرض وشعوبها بلا استثناء لأنه على قدر دور كل طرف في العالم سوف يكون المردود الضاغط في هذا الطرف أو ذاك بنتائج الحدث السوري وسوف يكتشف العالم لاحقاً بأنه كان في مرحلة السبات المزمن والذي سوق الغرب الاستعماري بشقيه الأميركي والأوروبي على أنه نهاية العالم ومنتهى ماسوف تتجمد عنده علاقات الدنيا وتفاعلات أمم الأرض.‏

إن القوى الكبرى في الغرب ستكون الميدان الأوسع والأعمق للمتغيرات التي بدأت مع تطور الحدث في سورية ويبقى العنصر الثالث الأساسي في تطابق الحدث السوري مع خط التاريخ ومسيرته وهو عنصر ذاتي كل مافيه قائم على ثبات الانتماء والقدرة على العطاء والصبر في المحن والحركة من جوف العاصفة, أليس ذلك هو الذي يؤطر للحدود العليا للصمود السوري الراهن؟. وبتساؤل بسيط كيف يمكن لبلد مثل سورية أن يؤدي مهام المواجهة لهيجان عالمي وقد تضافرت فيه كل مبررات الحقد والاستهداف والهمجية التي صار يعرفها القاصي والداني.‏

إن من حقنا في سورية أن ندخل هذا العامل الذاتي في مستوى صمودنا وردنا على التحديات كعنوان تاريخي هام هو الذي سوف يعيد الداخل إلى مصادره الأساسية بعد أن تتحطم قلاع العدوان وتفنى عصابات الإجرام ويتحول السلاح الفتاك الغادر إلى مجرد أدوات قاتلة تقيأت شحنتها السوداء وأفرغت سمومها بلا اكتراث بقيمة الإنسان وقدسية الأوطان، وفي عمق هذا المنسوب من الصمود السوري سوف تجري عملية التنقية النوعية باتجاهين اتجاه أول يؤكد ضرورة بناء الوطن السوري سياسياً واجتماعياً على قواعد أخلاقية وعملية هي النموذج الأوفى لما يجب أن يكون عليه العالم قريبه وبعيده كبيره وصغيره، واتجاه ثان سوف يعتمد بصورة عضوية على أن جسور التواصل مابين النظام السياسي والحياة الشعبية لايجوز إهمالها ولايحق لأحد أن يلتف عليها بالادعاء الكاذب مرة وباستبدال المعايير مرة ثانية وبالاحتكام إلى الأفكار الشاردة والعائمة مرة ثالثة.‏

ستكون عملية التنقية المؤلمة والمكلفة هي الوسيلة والأداة والطريق لإنتاج نظام سياسي نوعي الوطن فيه هو الأسمى والأعلى وهو الأهم والأغلى، وكل ماعدا الوطن من فعاليات هو طرق ومواكب تصب في النهاية في مصلحة الوطن بعد أن انطلقت أساساً من طبيعة الوطن ذاته ويسألون بعد ذلك كيف يحدث ذلك في سورية وكيف لاتنهار مقومات وقواعد وكيف يتشتت جمع الحاقدين على هذا النحو من تبادل الأدوار وتقسيم الزمن إلى مهام يقوم بها الصغير أحياناً مثل قطر والوسط أحياناً مثل السعودية والكبير في كل الأحايين مثل الولايات المتحدة وفرنسا الصليبية وحكومة عابرة مثل العدالة والتنمية في الجوار التركي. لقد حركوا الصراع بأعلى معدلاته وبكل أسلحة الحرب الكونية وكأنما كانوا يبحثون نفسياً عن تدمير سريع لهذا الوطن السوري. وأغرتهم في هذه القصة مسائل بعينها لم تكن منظورة فيما سبق ولاهي موضوعية في التداول المباشر ومن ذلك أن يتحول النظام السياسي العربي إلى مصدر عدوان على سورية وقوة في الاستهداف الشامل لها وأن تكون القيادة هذه المرة للعائلات الحاكمة في الخليج العربي والجزيرة العربية وهي التي اعتدت بلا هوادة على حقوق العرب والمسلمين بأعراضهم وثرواتهم الكامنة ونفخ في هذه العائلات المشبوهة إلى درجة اعتقد فيها الصغار أنهم أصحاب الدور في تغيير الواقع العربي بما يملكون من مال وبما يملكون من جهل وبما هم عليه من إلحاد وحقد واندماج أعمى في جريمة العصر التي تأتي ومعها الموت والعار لكل من غذاها بعوامل الموت والعار.‏

ويكون من موجبات ذلك أن تختطف الجامعة العربية لتتحول إلى منصة تنفث الأحقاد عبر موظفيها في سورية ويجمح بهم جنون الافتراس إلى لحظة الوصول لمجلس الأمن ومايتبعه من وكالات متخصصة, وفي موازاة ذلك لاينسون أن يغرقوا سورية بالسلاح الصهيوني وبالإعلام المضلل وبالمال الحرام الذي نهب وسفح على الضياع وأضيفت إليه الآن مهمة تدمير الوطن السوري في آخر لحظة وما انتهت القصة وماتوقفت فصول الجريمة فالمعركة بوسع العالم وبعمق من فكر فيها وخطط لها وصاغ أهدافها النهائية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية