تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عبر حياتهم البوهيمية.. جابوا آفاق الكلمة ... فهل كانت أكثر نضجاً و ثراءً..؟ !

ثقافة
الأربعاء 15-2-2012
لميس علي

في فيلم يتناول قصة الحب التي جمعت يوماً جورج صاند و ألفريد دي موسيه.. ثمة حوار، تلومه فيه صاند على حياة اللهو التي يحيا.. لأنها، بالخلاصة، تشغله عنها.. يجيب دي موسيه أنها نموذج الحياة التي يرغب و يفضّل.. مؤمناً أنه يجب أن يحيا حياة سيئة ليكتب أدباً جيداً.

الحياة البوهيمية.. طريقة عيش.. يزعمون أنها ضرورة لوجود إبداعهم.. بوصفها الحاضنة الأكثر ملاءمة لتجود قرائحهم.‏

في رحم الشوارع.. سفراً و تجوالاً.. أمضوا الكثير من سنوات العمر.. و كأنما هوس التنقل و الترحال.. شغف التجديد و فتك حدود كل ضابط مقيد، يحول بينهم و بين تفعيل رغباتهم، كان الفتيل الذي يشعل شرارة إبداعهم.. يوقظ حواسهم إلى أقصى مدى.‏

حيوات الكثير من الأدباء المبدعين.. تمتلئ بحس مغامرة.. يفاجئك.. و ليس الأمر وقفاً على (المغامرة) بمقاييسهم.. إنما الامتلاء (بجنون) حياة لاتقليدية.‏

هي إذاً الحياة المجنونة التي اختاروا.. حياة منفلتة من كل قيد و شرط..‏

فهل مارسوا (الحياة) أكثر.. تمرّسوا بها و عبرها.. أم مارسوا (الأدب) حياةً.. أم أن حياتهم كانت إبداعاً أدبياً.. ؟‏

كيف وازنوا.. توءموا بين هذه وتلك.. ؟‏

بالمعنى الحرفي لحياة الطريق التي عاشها بعضهم، يبرز الكاتب الأميركي جاك كيرواك، المعروف عنه أنه كتب أهم رواياته (في مهب الطريق) و هو يحيا في أحد شوارع مانهاتن. و كيرواك يحسب على نوع أدبي عُرف، عموماً، بأدب الطرقات.‏

و السؤال..‏

هل هناك أخلاقيات خاصة تفرضها حياة الطرقات تلك.. و كيف الحال بمن كانت لديه تلك الأخلاقيات، صوّرها أدباً، لكنه لم يحياها واقعاً.. ؟‏

بمعنى.. كانت العربدة مسلكاً و سبيلاً.. لحلول ساعة الإبداع.. لكنها لم تكن لتتمثل حصراً في العيش على الطرقات، كما عاش كيرواك.‏

الحياة على هوى ملذّاتهم.. نقطة لقاء تجمع مابين أدباء كثر.. حياة فيها الغرائبي الأسطوري يأتي ممزوجاً بالواقعي المعاش.. و يبرز منهم: آرثر رامبو، و جان جينيه.‏

شاعر ملعون..هكذا وصفه بول فيرلين، الذي ربطته به علاقة شاذة في عمر المراهقة. قال عنه: (إنه شاعر ملعون، واحد من الشعراء الملعونين، لكن الغريب في أمره أنه هو الذي يلعن نفسه و لا ينتظر الأمر من الآخرين).‏

البعض وصفه ب (وحش من نقاء)، أما بروتون فكان يرى فيه (العبقري الذي يجسد جيل الشباب).. بدوره هنري ميلر ذكر بخصوصه (أنه يجسد صورة الإنسان العاصي) و آخرون وصفوه (بالأزعر الرائع).‏

المفاجئ.. أن زوبعة الأوصاف تلك كانت اعتماداً على ما جاء في سيرة حياته و هو لم يزل في عمر العشرين..‏

فأي شاعر أزعر.. عبقري.. ملعون و عاصٍ.. كان ذلك (الرامبو).. ؟‏

ولد الشاعر في العشرين من تشرين الأول عام 1854م في شارلويل. عام 1870م اندلعت الحرب بين فرنسا و بروسيا فخرج رامبو باتجاه بلجيكا. التقى فيرلين و عاش معه حياة شاذة عرفت في الوسط الثقافي، سافر الاثنان إلى انكلترا.. فكتبا و أبدعا و كانت هذه الفترة من حياتيهما من أغزر المراحل.‏

من مؤلفات رامبو المشهورة في تلك الحقبة كان كتاب (الإشراقات).‏

انتهت علاقته مع فيرلين بأن أطلق عليه هذا الأخير النار.. لكن الإصابة كانت بسيطة. وضعت هذه الحادثة حداً للحياة البوهيمية التي عاشها الشاعر و على ما يبدو كانت خاتمة لإبداعه الشعري.‏

بعدها.. بدأ رامبو نوعاً آخر من العيش متنقلاً مابين هولندا، ايطاليا، السويد، الدانمارك، أفريقيا، و قبرص.‏

نسي أو تناسى رامبو الشعر في الجزء الثاني من حياته الذي مارس فيه العمل التجاري.. و نعت قصائده بالخربشات.. و كيفما كانت حياة الشاعر يبقى المؤكد أنه أثار تساؤلات كثيرة بما كتب شعراً و بما خطّ مسلكاً حياتياً.. هو الذي لم تدم فترة الإبدع لديه أكثر من أربع أو خمس سنوات، في عقده الثاني قبل عمر العشرين.‏

سوف أكون لصّاً..‏

في دار للقطاء ترعرع جان جينيه المولود في كانون الأول سنة 1910م.‏

تأثر تأثراً عميقاً بالكاتب المنحرف (جوهاندو) الذي التقاه خلال سجنه، و كان يقول له: إن السجن ليس سجناً، بل هو المهرب و الحرية..‏

جوهاندو أطلق نصيحته لزميل السجن (جينيه) الذي عبّر غير مرّة عن رغبته في الإقلاع عن السرقة و الاكتفاء بالكتابة، قائلاً (يا صديقي، إنه من المؤكد أنك تمتلك نوعاً من الموهبة في الكتابة، لكن لا تحاول احترافها و إلا أفسدت كل شيء. و إذا شئت أن تصدقني فينبغي عليك الاستمرار في السرقة).‏

كانت حياة جينيه متقلّبة ما بين الترحال و التنقل و الغنى المؤقت مما كان يجنيه من كتاباته. في كل تلك الأحوال لم يكن يتورّع عن ممارسة فعل (السرقة).. وهو ما جعله يدخل السجن اثنتي عشرة مرة..‏

ولا يخجل جينيه من الاعتراف (بلصوصيته) خلال سيرة حياته الروائية التي عنونها (يوميات لص)..‏

هل ساعدته حياة الجنوح و الانحراف تلك.. على مقاربة حيوات أناس الشارع الذين نقل أوضاعهم فيما كتب.. ؟‏

و يعترف جينيه بعلاقاته (المثلية) دون أدنى شعور بالخجل، و لعل قصيدته (الرجل محكوم عليه بالموت) تحمل الكثير من إشارات الجنوح و الشذوذ و كان كتبها بين جدران السجن.‏

في كل ما كتب جان جينيه إنما كان يحاول فضح وجه الزيف و النفاق للمجتمع البرجوازي.. أراد الانتقام من هذا المجتمع عن طريق الإمعان بالفحش والشذوذ.‏

و على الرغم من كل السواد الذي غرسه هذا المجتمع في قلب جينيه، استطاع أن يحيل هذا السواد خلقاً إبداعياً لافتاً.. لامس من خلاله هموم المضطهدين و السود، الفقراء و المشردين.. و معروف عنه أنه ناصر القضية الفلسطينية.‏

و لم تكن عبارته (سوف أكون لصّاً) التي ساقها و كما لو أنها اعتراف، سوى ردة فعل تجاه مجتمع رفضه منذ البداية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية