تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«حنا يعقوب» يتقاسم وأبناء الوطن ألم المنفى

كتب
الأربعاء 15-2-2012
هفاف ميهوب

«حملوهم على دفعات بالمراكب، كانت الباخرة راسية عاجزة عن دخول الميناء، بسبب الصخور والمدخل الضيق، وقع «حنا» في بطن المركب لكن الآخرين شدوه .. حتى جلس مكوماً على نفسه.

مرة ثم أخرى، بصق في أرض المركب دماً وقطعاً مكسرة من أسنانه، رفع عينيه ورأى ضباباً حقيقياً أصغر تمزقه النوارس، ووراء الغشاوة التي تغزلها الشمس ميز جنوداً يقفون على حافة الرصيف ويلوحون له».‏

من هنا يبدأ «ربيع جابر» حكاية «حنا يعقوب» وزوجته «هيلانة» وابنتهما «بربارة».‏

العائلة البيروتية التي وقع لها من المصائب ما كان سببه وجود «حنا» بائع البيض في المكان الخطأ والساعة الخطأ.‏

أما المكان فهو المرفأ الذي كان من قاد «حنا» إليه، خطه العاثر ومع سلة البيض التي كان يغادر بها منزله كل صباح، وأما الساعة الخطأ فهي ساعة ترحيل خمسمئة وخمسين درزياً كان الوالي قد اعتقلهم بهدف نفيهم إلى بلغراد.‏

لكن، ألا يمكن القول إن «ربيع جابر» هو من قاد بطل قصته إلى حيث المأساة؟!‏

ربما.. وقد يكون ذلك لهدف استمده من التاريخ اللبناني ، بل الواقع الذي هو واقعه لطالما شاء لمجرى الأحداث أن يجعل الشيخ «غفار عز الدين» يقابل الوالي ليسأله الشفاعة أن يعفو عن «سليمان» أحد أبنائه الخمسة الذين هم قيد الترحيل، وهو ما اضطر الجنود لإيجاد بديل لم يكن سوى حنا الذي تحول إلى سليمان وعلى مدى اثنتي عشرة سنة قضاها في سجن مظلم. بلا شمس وطن أو دفء أسرة أو حتى معالم إنسانية.‏

في رحلة الاقتياد إلى «بلغراد» صمم الأديب «ربيع جابر» أن يرافق المساجين..‏

أن يتلمس جراحهم، وآلامهم وأن يقاسمهم الخوف من موعدهم مع الموت.‏

صمم أيضاً، أن يجوب وإياهم كل الأمكنة التي احتضنت جثامين من مات منهم، التي تركت في ذاكرة «حنا» تحديداً لأنه الناجي الوحيد ندوباً ستبقى تنز ذكرياته عن بلغراد وأدرنة وكوسوفو والدانوب وصوفيا وحلب.. الخ.‏

بيد أنه أيضاً كان في غيبوبة ولكن واعية. ذلك أنه شارك المساجين منفاهم فوصف حالهم وبلسان «حنا» بطله الذي أيقظه على هدير وارتجاج الأرض ليتساءل بعدها ودون أن يعي إلا أنه بعيد عن بلاده منذ زمن لا يعرف مقداره!‏

«أين أنا؟ القيود الحديد منعتني من النهوض لكنني أمد رقبتي ،ومن دون وعي أوشك أن أصيح كما في السنين البعيدة في بلدي البعيد: بيض.. بيض مسلوق».‏

الرعب يخترق عقلي كحد السيف.. عرق بارد كالثلج يبلل جسدي. أعرف أنني قد لا أخرج من هنا، لماذا أموت في هذا المكان وبعيداً عن زوجتي وابنتي ويبتي؟».‏

إذاً. حكاية «حنا يعقوب» تقودنا ورغماً عن أحاسيسنا إلى حيث نشهد اهتمام إخوة سليمان بالبديل عنه حنا ما يجعلنا نبرر بأنه إحساسهم بضرورة التكفير عن الذنب.. أو ربما هو الألم الإنساني الذي يوحد الإنسان مع من يقاسمونه المصيبة بعيداً عن الوطن.‏

قادتنا الرواية أيضاً.. لنشهد، إهانات وضرباً وتعذيباً.. شق طرقات وبناء أسوار وغيرها من الأشغال الشاقة التي أحالت سحنة المساجين بلا ملامح.‏

أيضاً.. أمراض وبرد وجوع وقصف وقطاع طرق وموت. كل هذا جعلنا نرتعد لنتساءل غير مصدقين: هل بإمكان حنا أن ينجو من هذا الجحيم؟‏

الجواب لدى ربيع جابر الذي يداهمنا بخياله الذي لابد أنه مزجه بالكثير من الواقعية، وهو ما يبشر بأن هذا الأديب سيكون ذا شأن إبداعي مهم لطالما أصدر من الأعمال حوالي سبع عشرة رواية وهو مازال في الثلاثينيات من عمره.‏

إنه كاتب وصحفي لبناني - ولد عام 1972 ودرس الفيزياء في الجامعة الأميركية ليهرب بعدها إلى الأدب الذي كان أول ما أصدر منه، رواية سيد العتمة التي كتبها وهو في العشرين من عمره.. لتتوالى بعدها أعماله وبما جعل غزارة انتاجه مثار جدل ومتابعة في الأوساط الأدبية .‏

‏

دروز بلغراد- حكاية حنا يعقوب- رواية، تأليف ربيع جابر - المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء- دار الآداب - بيروت 2011‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية