تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فن الممثل من أرسطو إلى ستانسلافسكي

مسرح
الأربعاء 15-2-2012
أنور محمد

يؤكد الناقد والكاتب والمخرج المسرحي الجزائري عبد الناصر خلاَّف أنَّ محاكاة عمليات الصيد والحروب, وتجسيد الكثير من الظواهر الطبيعية عن طريق الرقص, وتنظيم طقوس العبادة كانت الجذور الأولى لفن التمثيل الإنساني,

وظهرت أولى البوادر في المجتمعات ذات النظام القبلي الطوطمي, حيث كانت كل قبيلة ترتبط ارتباطاً روحياً بطوطمها, وقد يكون هذا الطوطم عبارة عن حيوان أو نبات أو صخر أو نجم أو ما شابهه , حيث يعتقد كل فرد من أفراد القبيلة أنه منحدر منه إلى درجة التوحد معه.‏

وكان التمثيل يجيء في احتفالات طقسية التي من مكوناتها:الترانيم, الغناء الجماعي, العزف على الآلات الموسيقية والإيقاعية, تشكيل خطوات المشي والرقص, الأقنعة, الأزياء المفضلة, المؤثرات الخاصة كاستخدام الناس والشموع والخور. وكان الطقس يمتزج بالأداء في المجتمعات القبلية, وهناك عدة أشكال طقسية من التمثيل عند بعض القبائل التي تعيش على الصعيد والتي تنطلق أساساً من فكرة جوهرية و هي أنَّ (التمثيل) يخلق الوهم, وانطلاقاً من خلق هذا الوهم يمكن السيطرة على الوقائع والقضاء على الخوف.‏

ففي تاريخ الشعوب كما يرى الناقد عبد الناصر خلاَّف توجد الكثير من الأساطير التي يعتبرها بعض الأنثروبولوجيين مثل»شتراوس» هي أصل ومنشأ فنون التمثيل لأنها تتوفر على عنصر مهم, يعتبر من الخصائص الأساسية للدراما هو عنصر الصراع. ويعتبر(ثيسبيس) أول ممثل أدخل التشخيص الدرامي بدل السرد الغناء,وكان هذا في النصف الأول من القرن السادس ق.م أثناء الاحتفالات الخاصة بتجميد الإله»دينونيسوس», حيث في السابق كان الشاعر/قائد الجوقة يؤدي قصيدة حماسية, تكون مصحوبة بلازمةٍ ترددها الجوقة خلال الموكب الديني الذي يبدأ من المعبد و ينتهي عند المذبح. ويشار إلى «ثيسبيس» في تاريخ المسرح أنه كان ممثلاً جوالاً ينتقل في عربته إلى القرى و المدن اليونانية وكان مهتماً بالماكياج وابتكر القناع ليساعده في عملية التشخيص, ومعه تطور فن التمثيل.‏

في البدء كان هناك ممثلٌ واحد تساعده الجوقة بالحوار, ويقوم بتأدية عدة أدوار باستخدام الأقنعة القماشية, وكان الجمهور اليوناني يتعرف عليها من خلال شكل ولون خطوط القناع. وحسب (أرسطو) فإن الممثل الثاني أدخله»إسخيلوس» هذا الشاعر الذي يعتبر الأب الشرعي للدراما,والذي ترك الكثير من النصوص الدرامية التي أعدت خصيصاً للتمثيل- لقد كان إسخيلوس أول من رفع عدد الممثلين من واحد إلى اثنين, كما قلَّل من أهمية الجوقة عن طريق اختزال أناشيدها, وجعل للحوار الأهمية الأولى في المسرحية. أما (سوفوكليس) فقد رفع عدد الممثلين إلى ثلاثة أدخل المناظر المرسومة, وخلافاً لإسخيلوس فقد ضاعف سوفوكليس عدد أفراد الجوقة من 12 إلى 15. وخرج أيضاً عن تقليد «الثلاثيات»حيث كتب مسرحيات منفصلة, وأعاد بعث أسطورة»أوديب» التي جاءت في ملحمة «هوميروس»بمسرحية»أوديب ملكاً» التي يعتبرها أرسطو نموذجاً أصيلاً لفن التراجيديا. وكان سوفوكليس يستخدم الممثل الثالث في المحاورات التي يتواجد فيها ثلاثة شخوص على المسرح, وكان كل ممثل يؤدي أكثر من دور, وهو حل تقني يسهل عملية تبديل الأقنعة. وكان الممثلون في العهد الإغريقي ينقسمون إلى 1- البطل, 2- الشخصية الثانية.3- الشخصية الثالثة. وقد كانت حرفة التمثيل معترفاً بها في عصر إسخيلوس إلى درجة أصبح فيها الممثل أهم من كاتب الدراما, و يتمتع أفرادها بامتيازات كبيرة من طرف الدولة.‏

أما الرومان الذين انتصروا عسكرياً على اليونانيين فيما انهزموا أمامهم ثقافياً, فإنَّ معظم الممثلين عندهم كانوا(عبيداً) ولا يملكون أي حقوق ويصنفون مع اللصوص, وكانوا يستعملون نفس تقنيات التمثيل اليوناني, ورفضوا استخدام القناع لأنه يعوق توظيف تعبيرات الوجه, ووسَّعوا عدد الممثلين, و طوَّروا مهاراتهم في فن الإيماء(البانتوميم), و تخلوا نهائياً عن الجوقة. ويعتبر الرومان أوَّل من ابتعد عن النموذج اليوناني في الكوميديا, وأنشؤوا مسرح»الميم»و «البانتوميم» الذي تنحدر منه كوميديا «دي لارتي».و بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية, وهيمنة الكنيسة, قام رجال الدين ببيع صكوك الغفران والقضاء على النشاطات المسرحية»الوثنية» و كل ما يتعلق بالتشخيص الدرامي من كوميديا و تراجيديا. لكن هذا لم يمنع من ولادة دراما طقسية داخل الكنيسة من الترانيم التجاوبية/التناوبية حيث بدأت بصورة تمثيلية صغيرة مأخوذة من إنجيل القديس مرقس. ثم جاء عصر النهضة الإيطالية التي انتقلت من مسرح القرون الوسطى إلى المسرح الحديث بالتخلي نهائياً عن الدراما الدينية, واستفادت من الموروث الإغريقي الروماني, وقد ساهم اكتشاف فن الطباعة في ظهور عدة أعمال مسرحية مكتوبة نشرت ابتداء من سنة 1465م.‏

ويعتبر ممثل كوميديا «ديلارتي»وريث مسرح الإيماءات الصامتة و الساخرة «ميموس» الروماني, ولقد كان لعروض هذه الكوميديا التأثير المباشر على الدراما الاسبانية حيث أقيمت داران للتمثيل على نظام الأغنية, بتأثير فرقة إيطالية قدمت إلى إسبانيا, وقدمت عروضها في مدريد سنة 1574 حيث كان يتم إعداد الممثل إعداداً جيداً من طرف مدير الفرقة لإلقاء أبيات الشعر, وكان الفضل الكبير للكاتب المسرحي «لوب دي فيجا» في إعطاء المسرح الإسباني خصائص متميزة . لقد كان ممثلاً و مخرجاً ضمن فرقة تمثيلية جوالة وهو الذي أبدع شخصية المهرج المرح GRACIOSO.أما في انكلترا وبعد اعتلاء الملكة «إليزابيث» العرش سنة 1558 فقد أمرت خلال موسم 1567/1568. بتمثيل ثماني مسرحيات لتسليتها, كانت هذه الملكة راعية الفنون ومسكونة بحب المسرح وخاصة المسارح الموكبية, و مسارح الأقنعة الضخمة والاستعراضية, تحول معها الممثل من الفرق الهاوية إلى فرقة محترفة تحظى باهتمام سلطات المدينة والبلاط. بينما في فرنسا فقد تبنَّت الأكاديمية الفرنسية مبادئ النيو- كلاسيكية من خلال محاكاة العمال الإغريقية المسرحية والالتزام التام بقواعد»أرسطو». التي تعتبر قواعد مقدسة لأي مؤلف درامي وهذا خلال حكم الملك «لويس الرابع عشر», الذي قام أيضاً برعاية كل من «موليير» و»راسين». لكن و مع بداية القرن الثامن عشر ومع أفول تيار الكلاسيكية الجديدة ظهرت الرومانتيكية التي أرست قواعد الدراما البرجوازية والميلودراما, وتحول على إثرها فن الممثل من الطريقة التقديمية إلى تقنية التشخيص. إلى أن جاء قسطنطين ستانسلافسكي 1862-1931 الذي سعى إلى البحث عن مسرح جديد يعارض النظام التقني- المدرسة التشخيصية, ويُعتبر أول من أسس لعمل الممثل ووضع له نهجاً من خلال كتبه «إعداد الممثل» و»حياتي في الفن» و غيرها, وأهم اكتشاف له هو نظرية (لو) السحرية, و تعمل هذه «لو» من خلال توجيه الممثل سؤالا إلى نفسه: ماذا أفعل (لو) كنت أنا مكان هذه الشخصية ؟ ماذا سيكون رد فعلي إزاء هذا الحدث؟ هذه ال (لو) هي المفتاح الخاص عند ستانسلافسكي الذي يفتح باب التجسيد الخيالي للمشاعر والانفعالات. والممثل الحقيقي عنده هو الذي ينطلق من الشعور إلى اللاشعور رغم اختلاف المشاعر الحياتية والمشاعر المسرحية. ففن الممثل كان ولا يزال يتأرجح بين وجهتي نظر مختلفتين حول طبيعته, وارتكز هذا الصراع على سؤال مركزي- هل تتطلب طبيعة التمثيل أن يعيش الممثل مشاعر الدور أم يكتفي بالتشخيص ؟ لقد أطلق ستانسلافسكي على هذين الاتجاهين المتصارعين اسمين 1- فن المعاناة.2- فن الاستعراض. وبقدر ما يعيش الممثل مشاعر دوره على الخشبة بقوة واندفاع عمق, تؤثر هذه المشاعر في المتفرج وتغذيه وتسعده وتقدم بالتالي متعة كبيرة للممثل بالذات, وهكذا فإنه يستطيع أن يعاني نوعين من المشاعر في آن واحد.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية