تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حراثة التاريخ!

كل أربعاء
الأربعاء 15-2-2012
سهيل ابراهيم

نحن اليوم في زمن حراثة التاريخ العربي، فثوار الناتو غرباً وشرقاً، تجمهروا خلف المحراث وراحوا ينهبون وجه الأرض، يقتلعون جذور الشجر ويسممون الينابيع، ويحرقون المدن، وينتقمون من خضرة الحدائق،

ويصوبون أسلحتهم على أحلام البشر، كي يعم الخراب، وتنكسر أعمدة النور على مدارج السماء، ثوار من طراز جديد يعتقدون أنهم بالسلاح يمكن أن يغيروا وجه الأرض، حتى ولو كان تغييراً يؤدي إلى الجحيم، لم يرضعوا من لبن العروبة ولم يفتحوا صفحات كتاب تاريخها، لا يفرقون في موروثها التاريخي بين هزائمها وانتصاراتها، أو أبطالها وخونتها ولا يبحثون في حاضرها عن خلاصها، ولا تؤشر بوصلتهم إلا لضياعها والتحاقها بمصالح أعدائها، تراهم يطوفون كالعميان في شوارع المدن بحثاً عن فصول جديدة في لعبة القتل التي انخرطوا فيها، ولا يعرفون سبيلاً للخروج منها بعد أن ألفوا رائحة الدم ولونه القاني وحرارته ووجوه ضحاياه، وحين لا يجدون من يطلقون عليه يطلقون على أنفسهم، ويتحاربون بالسلاح الأبيض، كي لا ينقطع مشهد الموت، ولا يتوقف سيل الدماء!‏

في ليبيا، وبعد أن سهل لهم الناتو عبور طريق الخراب، وألقى في آذانهم كلمة السر، وسلمهم مفاتيح المدن، ودربهم على القتل، وقتل منهم من قتل، علمهم أخيراً كيف يستأصلون من بلادهم منائر التاريخ، فدلهم على نصب تذكارية لجمال عبد الناصر، وأعطاهم باليد الأخرى معولاً ليهدموها، لأن خراب ليبيا لا يكتمل إذا لم يواكبه خراب الذاكرة الليبية التي كان جمال عبد الناصر أحد مكوناتها، ذلك المكون الذي تتشارك فيه ذاكرة العرب منذ ستين عاماً خلت، كرمز قومي ناهض الاستعمار ودعا للوحدة القومية وساند حركات التحرر وتصدى للمشروع الصهيوني التوسعي الذي يشكل أكبر تهديد للأمن القومي العربي منذ أواسط القرن العشرين، ومثل ذلك الرمز لا بد من محوه من ذاكرة الليبيين والعرب وفقاً لشرائع ثوار الناتو الجدد المبشرين بالخراب، والعاكفين على رسم خرائط القتل، حيثما يستطيع سلاحهم أن يتجه، ما دام المطلوب هو حراثة تاريخ العرب، وتفويض الناتو بكتابته من جديد بلغاته الأعجمية!‏

-2-‏

أحد المرشحين لرئاسة مصر في مخاضها «الثوري» الجديد، والطالع من رحم أحد التنظيمات الظلامية، كان منذ أيام على إحدى الفضائيات يقرأ في صفحات برنامجه الانتخابي، مدعياً أن مصر في المرحلة القادمة لا أعداء لها، فالجبهة الشرقية مع فلسطين المحتلة تحميها معاهدة السلام، والمصريون لا يبحثون عن حرب مع أحد بعد الآن، ونحن نقول له: أين جريرة حسني مبارك إذاً ولماذا ثار المصريون على حكمه، وما الفرق بين أن يكون الكنز الاستراتيجي للقادة الصهاينة يحمل اسماً سقط عن العرش، أو اسماً آخر على وشك اعتلاء العرش، وما دامت الجبهة المصرية الشرقية مع فلسطين المحتلة، تحظى بحماية معاهدة كامب ديفيد، فأين أصبحت شعارات تحرير فلسطين واستعادة القدس وبيارق الزحف لفك الحصار عن غزة، وحين تصبح مصر الجديدة دولة بلا أعداء، فهل هذا يعني أن الكيان الصهيوني قد دخل إلى نادي أصدقاء مصر ولن يخرج منه بعد اليوم، وأن بنيامين نتينياهو موعود من جديد بوجبات ساخنة على موائد المرشح الرئاسي الطامح بامتلاك مصر بقبضة فرعون جديد!‏

إن الرابط وثيق جداً بين ثوار الناتو الذين اجتمعوا على هدم نصب تذكاري لجمال عبد الناصر في ليبيا، وهذا النمط الجديد من مرشحي الرئاسة في مصر الجديدة، فكلاهما وقع على عقد الإذعان مع جبابرة الغرب الاستعماري، وكلاهما يصفي حساباته مع العروبة المتشظية اليوم تحت قنابل طائرات الأطلسي، وكلاهما يحرث تاريخ العرب دون رحمة، كي يعم الخراب في كل الجهات!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية