يعبر من جديد عن عقلية أميركية متأصلة في بنية التفكير الأخرق لإدارة بوش ومن خلفها المحافظون الجدد ذوو الأصول المتطرفة صهيونياً الذين وعلى مدى ثماني سنوات من حكمهم للبيت الأبيض لم يجلبوا لأميركا وللعالم سوى الكوارث والحروب العدوانية, وأزمة اقتصادية مالية شاملة أخذت تجتاح قلاع الرأسمالية بنزعتها الليبرالية الجديدة في كل مكان في العالم مهددة النظام الرأسمالي الأكثر وحشية وإبادة جماعية في التاريخ البشري بالسقوط إلى غير رجعة, وبغض النظر عن حجم هذا العدوان على سورية المحبة والسلام والداعية دائماً لاستقرار وأمن العالم, لايمكن أن يحقق أهدافه الخفية والتي تخاف الإدارة الأميركية من إعلانها فلم تجد سوى ذريعة واهية وكاذبة بأنها استهدفت موقعاً يتم فيه تسريب عناصر من القاعدة إلى العراق,ولكن الحمقى وحدهم من بين المسؤولين الأميركيين يمكن أن يبتلعوا هذه الكذبة الفاضحة فهل مقتل أربعة أطفال صغار ووالديهم الأب والأم وعدد من عمال البناء الفقراء يشكلون هذه العناصر من القاعدة? إنه زمن الغرائب الأميركي بامتياز ولو كانت القوات الأميركية المحتلة للعراق الشقيق قد أخطأت الهدف فكان عليها أن تعتذر ولكنها تعرف تماماً أن الضحايا أبرياء ومسالمون ولكنها لم تعد تفرق بين من يمارس الإرهاب فعلاً وبين ضحاياه, وأميركا وقواتها الغازية في العراق تعرف تماماً أن الضحايا المدنيين في مزرعة السكرية هم تمام مثل آلاف الضحايا المدنيين العراقيين الذين يتعرضون للإرهاب الأميركي والمداهمة والقتل داخل بيوتهم البسيطة الآمنة يومياً على يد هذه القوات التي فقدت صوابها وتشعر بقرب هزيمتها القاسية المخزية من أرض العراق الطيبة.
وفي جميع الأحوال فإن هذا العدوان الأميركي على الأراضي السورية يشكل سابقة خطيرة على المستويين الاقليمي والدولي فإلى جانب أنه خرق خطير للقانون الدولي والأعراف الدولية التي لم تحترمها إدارة بوش يوماً فإنه يعبر عن انزعاج أميركي دفين من السياسة السورية التي اتسمت دائماً بالحكمة والتروي والثبات في الدفاع عن المصالح العليا للعرب جميعهم والدفاع عن مصالحها وأمنها الوطني بصلابة مبدئية ومرونة في تعاطيها مع الأحداث في المنطقة ما فوت على المتربصين بها شراً من واشنطن إلى تل أبيب النجاح فيما كانوا ومازالوا يخططون له للمنطقة, فسورية التي تعرضت لجميع أنواع الضغوطات والعقوبات والاتهامات الباطلة من قبل الإدارة الأميركية وأعوانها استطاعت أن تجابه جميع هذه الأساليب بسياسة واقعية شجاعة, وهذا ما أقنع الأوروبيين قبل غيرهم بأنه لا جدوى من سياسة الابتزاز ومقاطعة سورية لأنه لايمكن إيجاد أي حل لمشكلات المنطقة دون سورية وتم التعبير عن هذا التوجه الأوروبي الجديد حيال سورية بالزيارة المهمة التي قام بها الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى سورية والزيارة الأخيرة للمسؤول الأوروبي الأول سولانا لدمشق, والذي دعا إلى طي نهائي للتورط الأوروبي في مخطط إخضاع سورية , فهذا التحول الأوروبي الشامل يشكل عودة أوروبية إلى العلاقات الوطيدة مع دمشق, وما كان ليحدث هذا التحول لولا الفشل الكبير والصارخ لسياسة المغامرة والاحتواء ولقناعة أوروبا والعالم بأن تسوية النزاعات المتفجرة في المنطقة غير ممكن دون الأخذ بعين الاعتبار الدور المحوري والأساسي لسورية التي أعتقد مخططو غزو العراق واحتلاله واستهداف سورية أنه يمكن تجاوزه, ويحق لسورية أن تؤكد من جديد ماأكدته حقائق الواقع بأن سياسة الغزو العسكري والتدخل والعدوان ودعم المحتلين الصهاينة وعدم الاعتراف بالحقوق العربية المشروعة آيلة للفشل والزوال النهائي وإذا كان العدوان الأميركي على سورية يستهدف هذه الحقائق فإن إدارة بوش الزائلة والتي لم يبق لها في البيت الأبيض سوى عدة أيام لم تفهم تماماً حتى الآن وعلى الأغلب أنها لم تفهم )بأنه واهم من يعتقد بإمكانية إركاع سورية العربية( كما قال في حينه الرئيس الفرنسي الجنرال شارك ديغول!!.