(تابع): ( الرفيق قبل الطريق!) كانت هي الخرائط, أول ما اصطحبتها, منذ أن أنزلتنا عبارة جبل طارق على الأرض الإسبانية- الأندلس سابقا.ً
إلى أن التبست علي( أزميت) بإزمير , بعد أن نزلت من مصطبة ( أنقرة), بأول ما قرأتها في معلقة امرىء القيس :( قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل.) هون علي ذلك الالتباس, ما بدلت به أسماء الأعلام, بالحرف اللاتيني, بدلاً من الحرف العربي التاريخي, أو لم يهونه?
و الحقيقة أن سوريين, راجعين بسيارة مثلنا, من إعارة للجزائر. أدركانا على مخفر الحدود بلغاريا- تركيا, رجونا أن يكونا رفيقين .وإذا بهما, بمسافة ما تبينا , سيري البطيء . قالا أن عليهما, أن يقطعا أنقرة, هذه الليلة, و أنا نفسي أعلنت. أن لست أهلا للمرافقة. أسوق أو أقود , سيارة في الطريق!
صحيح, أنني تدربت على ذلك, في مكتب, في سيدي بلعباس. و لكن لا أحد منا, امرأتي التي ظهرت أشطر مني ,قد نجح في ذلك التدريب. بل كان علي أن اشتري شهادة, من أحد المعارين, مصري أو سوري. ثم (دولتها) في وهران.وعلى عدم الدقة أصلاً, بالحالين معاً. القود- أو القيادة. تعني أن يكون الشخص أمام السيارة. و السوق- السياقة. يحتم أن يكون الشخص , من خلف السيارة . و لا أحد الحالين , يعني أن يكون الشخص, يقعد إلى (دركسيون) , حتى و إن كانت قعدته في مقدمة السيارة!
وكيفما كان. فقد رحت أنا , أقود, أو أسوق سيارة, في طريق دولية , من (وجده), الحدود الجزائرية - المغربية. بستة أولاد و أبوين. وجزائرية جاءت برفقتنا , تزور أخوالها في دير الزور. بما كانت أمها متزوجة من مجند جزائري في الجيش الفرنسي, أول ما دخلت فرنسا سورية بطريق مرج عيون , بذلك الجيش الفرنسي المحتل!
ومن فوق التسعة أشخاص كباراً و صغاراً , باكاج على الظهر, وتجر خلفها مقطورة, بزوادة الطريق : الزيت من معصرة سيدي بلعباس. برغل مجروش .وكل ما يحتاجه المسافر. ينام ويقوم بمثل تلك العائلة, في الطريق . أنا , وقد تعلمت القود أو السوق, على كبر, مثل الزواج على كبر. إن نعست . أو شعرت بتعب. وقفت في أي مكان من الطريق . كما أنام الليل , حيثما وافق من الطريق . نطبخ و ننفخ, حيثما, وافق, أو لم يوافق تماماً من الطريق!
وأيضاً , كيفما كان. فلم أشعر أني صرت في زمان على الأرض , حتى أبصرت بالزرع مدروسا, و غير مدروس, على البيادر, في مدخل تركيا. و كذلك حتى سمعت في مسافة , ما بين تلك البيادر , أمان السماء بآذان صلاة العشاء!
ولم يكد يفارقنا السوريان, حتى لحقت بنا سيارتان, دخلنا مخفر الحدود بلوحتي بغداد. فازددنا أنسا و اطمئنانا. السيارتان مشتا بمشيتي المثقلة. وقفتا فيما لاح أنه ( استراحة). السيارتان بعائلتين كما بلوحتين بغداديتين. . اعتذروا أنهما على موعد أن يناموا عند أصحاب - أقرباء في اسطنبول. أوصونا »أن ندير بالنا على حالنا) . و تمنوا لنا سفراً آمنا سالماً!
ولكن الأمان الحقيقي لم يكن الا بمشاهدة النساء, في أزمير بزي ما كانت المرأة في الضيعة السورية في أوائل ثلاثينات القرن العشرين .