تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عــن الكتابــة والضجــر و غبــار المنـــزل..

ثقافة
الإثنين 24-11-2014
مصطفى علوش

حقيقة أحسد أولئك القادرين على الكتابة في كل الفصول وكأن السماء زرقاء والعصافير تزقزق، وأحسدهم وهم يذهبون للكتابة في مجلات فصلية وسنوية ونصف سنوية وشهرية باحثين عن دخل إضافي من خلال استكتاب هنا واستكتاب هناك،

ومرة يكتبون عن الطقس والجغرافيا وفي مادة أخرى يكتبون عن التعبير، حتى أن واحداً منهم حصد جائزة أدبية مخصصة للشباب وهو في عمر الـ 55 سنة، وآخر استلم جائزة من دولة خليجية وفي اليوم التالي بدأ يشتم الرجعية العربية، هؤلاء للأسف يحتلون جزءاً كبيراً من مشهد الكتابة، ولكنها تلك الكتابة الناشفة التي تشبه الفراق، لا طعم لها ولا رائحة فالقارئ قادر على معرفة حرارة النصّ، ومعرفة حرارة الكاتب من كلماته وجمله وفواصله.‏

فلكي تكتب كتابة حقيقية لابدّ لك من بدهية الإحساس بالناس، فكيف تكتب مثلاً عن التقسيم القادم للمنطقة وأنت غير قادر على تقسيم العمل بين أولادك في البيت، وكيف تكتب مثلاً عن حق المرأة في الاختيار والتعبير والحياة الكريمة وأنت لست كريماً في تعاملك مع زوجتك وتنظر لها كندّ في التفكير والاختيار، أعرف كاتباً كان يحاسب زوجته على كل قرش تصرفه بحجة الوضع الإقليمي والمحلي و بحجة الظروف الموضوعية، حتى أنه كان كلما بدأ قتاله السلمي معها يأتي بمقولات لماركس و لينين وأنجلز وأحياناً يكون قد حضّر كل أقوال أمينه العام، عن الحياة والحرب والحبّ؟‏

ثم لا أعرف كيف يمكن أن يكون الشخص مختصاً بالنقد الأدبي ولا يعرف مثلاً أن الثرثرة تصيب النص بالموت السريري، فكيف مثلاً تقنعنا كاتبة ما أنها تعاني ويشعر قارئها أنها قد خرجت للتوّ من عند الكوافير وصرفت للتوّ راتبها وراتب زوجها ومعهما الجمعية المالية المخصصة لشراء مادة المازوت؟‏

وكيف ستقنعنا كاتبة وقاصة وروائية وشاعرة أنها صادقة في مشاعرها تجاه البلد وهي تضع صورة شخصية لها من أيام الثانوية، بينما هي الآن جدّة وعندها أكثر من حفيد ولم يبق من أسنانها شيء ومنذ عدة ساعات اشترت طقم أسنان جديدة؟‏

قد يردّ علينا قارئ محترف ليقول لك إن الكتابة موهبة ويمكن لغني أن يكتب عن الفقر والتعتير ويمكن لغني آخر أن يكتب عن الشتاء البارد الذي يعيشه الفقراء، ولهذا أقول والله معك حق، ولكني شخصياً صار عندي تخمة من هذه الكتابات البلاستيكية، حيث يمكن لهؤلاء أن يكتبوا ولكنهم بالتأكيد لايبكون ولا يشعرون بالقهر من منظر حزين في البلاد.‏

من جهتي لكي أكتب لابد أولاً من قراءة نشرات الطقس المحلية والإقليمية والعالمية، ولابد من معرفة حال وضع اسم إن وكان وما إذا حدث تغير عربي على إعرابهما في هذه اللحظة المصيرية من عمر أمتنا العربية المجيدة، ولكي أكتب لابدّ أن أعرف أحوال الطرق في بلادي وأحوال الإغاثة وأوضاع البرد والجوع والتشرد، ولابد لي لكي أكون صادقاً في الكتابة من معرفة كل أشكال الكذب والنفاق الإعلامي والفكري في كل المحاور والطريق التي أمرّ عليها في طريق العودة للبيت، ولكي أكون مقنعاً لابدّ لي قبل كل شيء من تناول فطوري التاريخي المكون من قراءة كل تحقيقات الفساد المنشورة على السطح الإعلامي وعلى سطح البلد، ومع ذلك عندما اكتب مادة أقرأها لزوجتي أولاً فإذا تركتني ودارت ظهرها نحو نفض الغبار في المنزل، أنفض الغبار عن مادتي وأمزقها، لأنها بالتأكيد مادة رديئة فإذا لم اجعل زوجتي تقف باستعداد بسبب دهشة الصدق والتعبير كيف لي أن أقنع قارئاً في نصف الكرة الشمالي في قراءة مادتي وحوله نصف طن من المجلات والجرائد؟‏

وقبل الختام كيف يمكن لي الكتابة والرقيب في داخلي أكبر من الرقابة نفسها؟ وكل كتابة خائفة النوم مبكراً أفضل منها ومن صاحبها، أخيراً تسقط الامبريالية.‏

M3alouche@hotmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية