لا تليفون..لا فسح لا.. لا.. ويتحول البيت إلى ثكنة عسكرية, فساعة الصفر قد جاءت فرمانات كثيرة يصدرها الأهل وتوزع الأوامر ويعاد ترتيب الخطط والتكتيكات على الأبناء وكأن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب ولاينسون طبعاً التحذير من الكمائن والألغام المزروعة ولاسيما في مادة الرياضيات.
وكم يرددون على مسامع أبنائهم العبارة الشهيرة:( عند الامتحان يكرم المرء أويهان) فعدم النجاح في الامتحان يعني المهانة والمذلة واحتقار الذات.. وغير ذلك بل أكثر الآباء لايتردد في انتقاد أبنائهم أمام الغرباء عن الأسرة وبحضور الأبناء أنفسم وغالباً مايكون النقد أقرب إلى التجريح والاستهزاء( بكرة بذوب الثلج ويبان المرج).
ويذهب بعض الآباء إلى أبعد من ذلك حيث يصادرون حريتهم الشخصية بفرض نوع الطعام وتحديد وقت وكيفية المذاكرة وانتقاء اللباس المناسب المريح, وكل الأعمال والواجبات داخل المنزل وخارجه تؤجل إلى حين الانتهاء من الامتحان.
هذه الخدمات غير المجانية والتي يقدمها الأهل تجعلهم يلقون كل اللوم والعتب على أبنائهم في حال فشلهم( لأنه لم يجتهد كفاية.. لأنه أكثر من اللعب, لأنه ..لأنه إلى غير ذلك من الاتهامات التي تحمله المسؤولية الكاملة عن فشله ويندوبون حظهم العاثر وقلما يعترفون بأنهم السبب, أو يتحملون جزءاً من المسؤولية.
حدثتني زميلتي عن حالة الاكتئاب البشعة والتي عانت منها ابنتها العام الماضي أثناء التحضير للامتحان وكيف حذرها الطبيب من طريقة تعاملها مع أولادها, وقال لها: الترويح واللعب والبساطة قيم ايجابية في حياة الإنسان, لاتتعارض مع الجدية والحزم.
ومازلت أذكر تلك القصة التي كتبت عنها إحدى المجلات وتناقلتها الألسن عن شاب تقدم لامتحان الشهادة الثانوية ولشعوره بخوف شديد من امكانية فقدانه لحب وعطف والديه لعدم استطاعته تحقيق حلمها بأن يصبح طبيباً حاول الانتحار لكونه يعتبر أنه لم يعد يساوي شيئاً في نظر والديه.
ثمة مبررات كثيرة تدفعنا إلى ضرورة الاهتمام بتربية الآباء والأمهات والمقصود هنا توجيه برامج منظمة يتم من خلالها إكسابهم معلومات ومهارات واتجاهات عن أفضل أساليب التعامل مع أبنائهم وأفضل أساليب مساعدتهم على التحصيل الدراسي الجيد وعلى هذا الأساس فليس المقصود أن تسهم الأسرة في نجاح التلميذ بطريقة صناعية مفتعلة مثلما يحدث في الدروس الخصوصية.
وريثما يتم وضع مثل هذه البرامج لابد أن يدرك الآباء أن زمانهم يختلف عن زمان أبنائهم وأن حوافزهم تختلف عن حوافز أبنائهم وإن الحاضر أهم من المستقبل بالنسبة للأبناء, الأمر الذي يتطلب تعديلاً للخطاب الأبوي التقليدي بحيث يغلب عليه طابع الحنان والتفهم والحوار ومراعاة الفروق الفردية.
وليكن موال الامتحان لهذه السنة نعم للفسح نعم للتلفزيون.. نعم للتليفون..ضمن إطار المراقبة وتنظيم الوقت.