تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المسرح فن الراهن..كيف استطاع توظيف التراث..؟

مسرح
الثلاثاء 1-10-2013
آنا عزيز الخضر

يعتبر المسرح فن الراهن، الذي يرافق الحياة بوقائعها الاستثنائية، أرضيتها وبيئتها وظروفها، فيكشف حقائقها و يعري أبعادها الأعمق، وأكثر أعماله تميزا تلك القادرة على مسرحة العقد الحياتية المختلفة والمسارات الدقيقة المؤدية إليها، فتلتقط علاقاتها، ارتباطاتها وتفاعلها، تداخلها كما فعلها ورد الفعل، ويترافق كل ذلك مع متلقي يستشرف الشكل الأجمل لواقعه ، لما هو مطروح .

كيف يجد المسرح طريقه إلى هذه المساحة عبر علاقته مع التراث..؟ خصوصا أن الأخير حاضر في كل مساحات حياتنا، و له سمته التي ترتبط بالهوية، فكيف يمكن للمسرح أن يستثمر التراث بمفرداته الخاصة.؟ و يحافظ في نفس الوقت على سمته الاميز كوسيلة ثقافية،وكفن يحركه دائما ما هو راهن، وقد تواجدت عروض كثيرة، اعتمدت على التراث بأشكال مختلفة.‏

التصق المسرح الاحتفالي على الأكثر بالتراث،فقدمه بشكل خاص، رغم أن هناك وجهات نظر عديدة، تؤكد أن المسرح بطبيعته الإبداعية بعيد كل البعد عن التراث،وإن استلهمه الكثير من المبدعين المسرحيين لإقحامه في نصوصهم المسرحية و نسيج دراما أعمالهم،كي يكون في خدمة الواقع بشكل من الأشكال،وكان منهم الكاتب (ممدوح عدوان)و(سعد الله ونوس).‏

في نفس الوقت يرى بعض المسرحيين ضرورة اعتماد المسرح على التراث، مثلما هي رؤية المسرحي (عبد الكريم برشيد) حيث يرى أن تأصيل المسرح واحتواء التراث خطوة ضرورية من اجل تأسيس فعال له، وأكد على أن ربط المسرح بالذاكرة التراثية، خطوة ايجابية من اجل تأسيسه و تحقيق كينونته، كما هي هويته الوجودية.‏

أما الواقع المسرحي يفرض استحضار بعض التجارب في هذا السياق، حيث اختص بعض من المبدعين المسرحين بمسرح الظل، ذلك الشكل المسرحي الأكثر قدما، إذ يعود إلى الوراء لأكثر من الفي عام، كما يصنف كأول العروض الفر جوية، ويعتبر خيال الظل فن تراثي بامتياز، وله جمهوره ومتابعوه كونه استمرارية لفن، أتى من الماضي،واستمر إلى وقتنا الحالي،لكنه الآن يمسك براهنية الأطروحات والمعالجات،ويهتم بقضايا قريبة من الوقع، تعيشها سورية، رغم اعتماده على نفس المفردات الذي اعتمده خيال الظل منذ زمن بعيد، ذلك أن أفكار عروضه، لم تكن محايدة تجاه الواقع،ويؤكد هذه الحالة العروض المستمرة، التي ينجزها الفنان المخايل (شادي رشيد حلاق) على صالات المسارح السورية،بين فترة وأخرى،ليقدم عروضه كراكوز وعيواظ المتواصلة ،لكن تحت عنوانين مختلفة ومعالجات متجددة دوما،كان آخرها(حكم قراقوش)على صالة متعددة الاستعمالات بدار الأسد بدمشق، وقد اعتمد العرض على الحكاية الشعبية، يتخللها الأمثال والحكم والنوادر، المستقاة من الثقافة الشعبية والتي تلخص الكثير من القيم الإنسانية الراقية، التي تمسك مجتمعنا بها أبدا، وخلدها عبر تفاصيل حياته اليومية، ليبلور بشكل غير مباشر هوية اجتماعية متأصلة، ومنها إلى هوية ثقافية راسخة، تتوارثها الأجيال وتتمسك بها ،وقدا صرت تلك العروض على تقديم التسلية والروح الفكاهية التي تعتمد عليها أيضا الثقافة الشفاهة التي ارتبطت تحديدا بمسرح خيال الظل،كما أنها قدمت دوما القصص و سرديات ولوحات، زاوجت بين حكايا معروفة ومشكلات معاصرة،تخاطب المتلقي في الوقت الحالي رغم حضور الشكل المسرحي التراثي،مما يؤكد على أن المبدع المسرحي الحقيقي ، ارتبط على الدوام بجوهر المسرح ورسالته، وإن استخدم الأسلوب التراثي أو استخدم مفردات تراثية.‏

من جانب آخر كان لتضمين العروض المسرحية الاستعراضية، الملامح التراثية خصوصية ثقافية، وقد أخذت مفرداتها من الثقافة الشعبية، ومن صميم الثقافة بشكل عام، التي ترتبط بالتراث بالشكل المباشر وغير المباشر، كل ذلك يؤكد على رسالة المسرح، ودوره كوسيلة ثقافية لها مفرداتها الإبداعية الخاصة في خدمة الواقع، لأنه وان حمل شكلاً فنياً خاصاً، فانه يصب في سياق الحفاظ على الهوية الثقافية، بما تمتلكه هذه الكلمة،من لغة غنية، وأغان، وأنساق قيم، وأشعار وموسيقى وفنون أخرى، ترتبط بالوجدان والذاكرة الشعبية، التي تحفظ عن ظهر قلب كل مايربطها بوطنها وأرضها وأناسها وتاريخها، وفي هذا السياق تحضر العروض المسرحية الاستعراضية السورية الغنية جدا بكل هذه المفردات،منها على سبيل المثال (السيف والوردة) الذي دار حول مدينة تدمر، وما تحمله من موروث، يكتنز بالارداة الحرة والمقاومة والتاريخ الأبي الناصع،وقد قال وقتها احد النقاد عن العرض:كانت لوحاته المسرحية تحمل نوعا من الألفة الشعبية الممزوجة بمفردات التراث السوري العريق، على مدى قرون من ابتكار الإنسان العربي لإشارته الأولى،وعكس ذلك في لغة الجسد الراقص وقدرته على مخاطبة العالم المعاصر،من خلال صياغة جمل حركية ،نجحت في اختزال الخطاب الفني التقليدي.إذ جسد العرض بشكل لافت تاريخ حضارة سورية منذ الكتابات الآرامية، مرورا بكل من سكن هذه الأرض ورفد حضارتها،وذلك عن طريق اللوحات والأغاني التي تقدم الحكاية الشعبية ممزوجة بالملحمة الشعرية الغنائية.‏

هذا العرض لخص تاريخاً وتراثاً يمجد الإرادة الحرة،التي تسكن في وجدان المجتمع السوري وذاكرته على مر الزمن ،وما قصصه و حكايا مجده، التي يترجمها فنانوه إلا مؤشراً على تمسكه بهذا التراث.‏

الأعمال المسرحية السورية التي مسرحت التاريخ واعتمدت على وثائقه وقدمته عبر صياغات فنية، تشير إلى معادلة اجتماعية وثقافية راسخة يثبتها الواقع،والأعمال في هذا السياق أكثر من تعد، من هنا كان لاستخدام التراث في المسرح السوري أشكال عديدة، وقد ارتبط الجمهور بها لقربها من واقعه الحالي، وتطلعاته التي ترتبط بهويته وثقافته، فوجدت طريقها إليه ونجحت، خصوصا انه توفر لهذه العروض ميزات، جعلتها تنجز مهامها بامتياز، من تلك الأعمال (أبناء الشمس )(جوليا ودومنا)(طوق الياسمين))(الإلياذة الكنعانية)(شرقيات)(سحر الشرق)(سورية ارض السلام)هذه الأعمال وغيرها الكثير استحضرت واستعارت مفرداتها من التراث والتاريخ،وكانت محاور أعمالها إما مدنا أو بلدانا وشخصيات تاريخية،ومحطات عظيمة في تاريخ امتنا،كما وظفت عناصرها الفنية كل ما يرتبط بالفنون التراثية من أغان وموسيقا والحان،كي تضيف مهام أخرى في تخليد وتمجيد هوية عريقة، فتتكامل الأدوار والوسائل الثقافية للحفاظ على خصوصيتها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية