ومن الإشارات المهمة والأولوية هي أن المسرح الذي يعتبر من الفنون الوافدة على الثقافة العربية لم يستطع تأجيل هويته وحضوره في الحياة الثقافية العربية إلا وغالباً للنخب فقط.
تعد فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي -العصر الذهبي- للمسرح العربي تجلى أولا في محاولات تأصيل هوية هذا المشرح من خلال عمليات قام بها المسرحيون العرب في تونس ومصر وسورية ولبنان والعراق متبعاً وسائل منها محاولة الاستفادة من أشكال الفرحة التي يزخر بها تراثنا العربي كمسرح خيال الظل والحكواتي وتوظيفها في العمل المسرحي بصورة تجعلها قريبة من المتلقي العربي ويكسر معها القواعد التقليدية للمسرح الغربي التي هيمنت على أداء المسرح العربي طوال المراحل السابقة.
السبعينات هي حقبة المسرح المصري السبعينات وتحديدا في النصف الأول منها كانت المحطة الأبرز في حياة المسرح السوري بقيادة المسرح القومي إلى جانب مسرح القطاع الخاص عبر مبادرات قام بها مسرح الشوك والمسرح العمالي والمسرح الجوال.
هذه النهضة المسرحية ترافقت مع ظهور المسرح العربي السنوي الذي شكل احتفالية عربية مهمة قدم فيها المخرجون أفضل أعمالهم ونالوا جمهوراً واسعاً.
ولم يختلف الأمر في العراق الذي شهد نهضة حقيقية تجلت في مستوى الأعمال المقدمة بمشاركة فاعلة من نجوم المسرح العراقي المعروفين.
ترافق هذا النشاط مع توسع زيادة الاهتمام بالتأليف المسرحي في حين برزت تجارب وأسماء مهمة في لبنان وتونس وانشغل المسرح فيها بالتجريب ومحاولة مسرحة التراث من خلال رؤية وقراءة جديدتين للتعبير عن قضايا الواقع العربي المعاصر مستفيداً من انجازات المسرح الغربي التي وصل إليها.
بهذا الجو من النشاط المسرحي وموازاته ظهر المسرح التجريبي الذي حاول من خلاله عدد من المخرجين والكتاب المسرحيين العرب العمل على تطوير التجربة المسرحية وتعميقها إلا أن غياب الدعم الرسمي حال دون استمرار هذه التجارب وقلل من امكانية النهوض بالمسرح العربي.
شكلت هذه الحقبة وصولا حتى الثمانينات يقول الناقد مفيد نجم المرحلة الأبرز والأغنى في تاريخ الحياة المسرحية العربية وتبلورت فيها بدايات مهمة لظهور مسرح طليعي وحداثي عربي مشغول بالتجريب والمغامرة سواء على مستوى النص المسرحي وعلاقته بالتراث والتاريخ من حيث الترميز والاسقاط أو على مستوى الاخراج القائم على المزاوجة بين أشكال المسرح الغربي وأشكال الفرجة التقليدية لدينا فكان البحث والتجريب هو الظاهرة الأبرز في المسرح العربي.
لكن التحدي الأبرز جاء مع ظهور الدراما التلفزيونية التي استطاعت اختطاف نجوم المسرح وجمهوره في آن معاً وكان في مرحلة مازال يبحث عن الأدوات والوسائل التي تساعده على تحقيق هذا الهدف خارج الجمهور النخبوي المتابع.
إن محاولة واستعادة دور المسرح العربي وقيمته الثقافية والجمالية تبدو أشبه بمغامرات معزولة عن سياقها الثقافي والسياسي والاجتماعي كما يقول نجم ومجرد مبادرات خاصة غالبا ماتكون ذات طابع احتفالي واعلامي مايجعلها غير قادرة على تحقيق الأهداف المرجوة عبر إزاحة الاغراءات التي تقدمها الدراما التلفزية بتقديم وسائل أكثر تشويقاً في المسرح مع إدراكنا أن غياب الجمهور المتفاعل وانحسار اهتمامه بعد أن باتت الثقافة العربية عموما تعاني من غياب الفاعلية بسبب تفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية وتحول الثقافة إلى أدوات وترويج ودعاية أكثر منها وسائل إغناء وتطوير فكري وجمالي وقيمي في الحياة العربية.