مقعد سورية الدولة والكيان الذي شغله رئيس ما يسمى «الائتلاف الوطني» أحمد معاذ الخطيب، المستقيل من قيادة الائتلاف، والذي حضر القمة بضغط (قطري، سعودي، أمريكي)، لم يستطع تجنب الخلافات في صفوف «المعارضات» السورية، وأكد إثر إلقائه كلمة سورية المختطفة في هذه القمة، إصراره على الاستقالة من رئاسة هذا الائتلاف. ويشير هذا الخلاف، كما الاختطاف لمقعد سورية، إلى واقع هذه المعارضات، رغم محاولات «ضبضها» من قبل المحاور الإقليمية و«الدولية» المناوئة لسورية الدولة والشعب والكيان.
فالوفد «المعارض» الذي شغل مقعد سورية الرسمي، بوصفها عضو مؤسسة للجامعة، أظهر تبايناته الشديدة، رغم محاولات قطر وما تمثله راهناً، من «ترقيع» حالة المعارضة، وتوحيدها ظاهرياً على الأقل خلال أيام القمة، إذ أكد الخطيب رغبته في الحوار مع القيادة السورية المشروط مرة أخرى، وتأكيده على التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية يمثل خطوة نحو تقسيم البلاد، وإنهاء السيادة الوطنية السورية.
هذا في الوقت الذي استلمت فيه القمة رسالة رسمية من رموز أخرى «معارضة»، وقعها سبعون شخصية «معارضة»، وبضمنها أسماء أعضاء من الائتلاف الوطني المعارض نفسه، تشكو من هيمنة اتجاه إسلاموي سياسي على المعارضة، والمقصود حركة الإخوان المسلمين، وتالياً تحديد طبيعة توجه هذه «المعارضات» وعلاقاتها، وآفاقها بأسلوب شمولي إسلاموي، يمثل خطوات كبيرة إلى الوراء، في رسم ماهية سورية القادمة وفق رؤية المعارضات نفسها. وتزامنت إشكالية التمثيل «المعارض» واحتلاله لمقعد سورية، والتباين والتناقض في هذا الوفد السوري «المركب» إقليمياً و «دولياً» في قمة الدوحة، مع إعلان هيثم مناع «رئيس هيئة التنسيق الوطني في الخارج « سعي المحاور الإقليمية - «الدولية» لصوملة سورية، ورفضه وهيئته المشاركة في هذه القمة.
إشغال «المعارضات» المختلفة والمتناقضة مقعد سورية، بديلاً للدولة السورية - العضو المؤسس للجامعة العربية -، جاء بعيد جهود إقليمية و «دولية» مكثفة، دعت وعملت على «تنسيق» مواقف هذه المعارضات وضغطها الكبير لتشكيل حكومة مؤقتة تمثل خطوة مساعدة لهذا المحور الإقليمي «الدولي» في شغل موقع سورية في الجامعة، ومواصلة هذا التوجه نحو إشغال مقعد سورية لاحقاً، في الروابط والمؤسسات والمنظمات الدولية الأخرى. (منظمة التعاون الإسلامي، حركة عدم الانحياز، الأمم المتحدة.. الخ). إذ إن واقع حال المعارضات يؤكد تناقضاتها بين «الائتلاف» و«هيئة التنسيق» و «المنبر الديمقراطي» وغيرها من العناوين الهيكلية السياسية المعارضة من جهة، وبين هذه العناوين والإطارات والمجموعات المسلحة الرافضة للالتزام بتوجهات هذه الأطر السياسية المتحدثة باسم «المعارضة» على اختلافها وتلاوينها من جهة ثانية. فضلاً عن الخلافات بين هذه الأطر القائمة والمجموعات المسلحة المختلفة فيما بينها والمفتقدة المرجعية واحدة، من جبهة النصرة القاعدية، إلى ما يسمى الجيش الحر، مروراً بـ الألوية والكتائب الأخرى، لواء التوحيد، لواء الإسلام، لواء بلاد الشام.. الخ
فهذه «المعارضات» السياسية التي لم تستطع، حتى تاريخه وبعد أكثر من عامين على بدء الأزمة السورية «الداخلية» مجرد التوصل إلى لغة مشتركة، أو قواسم جامعة فيما بينها، ورفضاً عملياً لقيادتها من المجموعات المسلحة، تعاني من واقعها القائم من جهة، ومن الضغوط الإقليمية و «الدولية» الهادفة إلى توحيدها القسري لأهدافها الخاصة من جهة أخرى، هذا في الوقت الذي تنكشف فيه يومياً هذا الواقع للمعارضات، الذي لم يصل بعد إلى تقييم وإقرار بإفلاسها وفشل أو حتى تنسيق وتوحيد توجهها، ولم يدفع رغم ذلك بعد «المعتدلين» في صفوفها إلى الاستجابة للمبادرات الوطنية السورية المتعددة وآخرها البرنامج السياسي الذي طرحه الرئيس بشار الأسد: (حكومة انتقالية موسعة، تعديل الدستور، الاستفتاء الشعبي، الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. الخ). وأظهر أيضاً حقيقة لافتة الديمقراطية والتغيير والإصلاح المعارضة، وبأنها تستخدم زوراً لخدمة أهداف أخرى أساسها الحقيقي إدامة الأزمة السورية وتمزيق البلاد وإنهاك اقتصادها، وإشغالها بقضاياها الداخلية على حساب دورها التاريخي الوطني والإقليمي والدولي.
«معارضات» سياسية مشتتة ومتناقضة، وخلافات بينها وبين المجموعات المسلحة، التي تقدم نفسها بديلاً للنظام الوطني القائم، تخدم في المحصلة الأهداف الخارجية المتمثلة في إضعاف سورية، وصولاً إلى تقسيمها في الحد الأقصى، وهذا ما يجب مراجعته من الجميع، وفي المقدمة هذه المعارضات السياسية والمجموعات المسلحة أولاً.
*
باحث في الشؤون الدولية
Batal-m@scs-net.org