و تلك ثمن خبز و بعض الخضار طبخة للأولاد ، و الباقي بضع وريقات من الليرات تنزف من جيب مثقوبة تأبى أن تصاحبه حتى آخر الشهر ، حار بأمره هل أشتري الكتاب بمئات الليرات أم كسوة الصيف للمدام و الأولاد ؟ .. طبعاً ليس من شارع الحمراء و لا من الشعلان أو القصاع ، فتلك المحال ليست لاستقبال مهدودي الحال ، و البالة موجودة و بسطاتها فاتحة ذراعيها لتستر الأجساد بأبخس الأثمان ..
تردد و حار كأنه سيقدم على خوض معركة .. و يقولون له بلهجة اللوم و العتاب : نحن أمة اقرأ و لا تقرأ .. و تذكره الأمثال بالقول : خير جليس في الأنام كتاب ، هو على قناعة تامة بذلك بل و يبصم للقائل بالعشرة ، و يتوق لجليس يزيده ثقافة و معرفة و نوراً و لا يتسبب بمشاكل النميمة و وجع الرأس ، و لكن المشكلة في ثمنه و في تأنيب المدام التي ستستقبله ممتعضة : هل سنأكل حروفاً و كلمات و نكتسي بالأوراق ؟ وما زال حاضراً في ذهنه صورة أبيه كلما رآه يطالع في كتاب غير المنهاج المدرسي ليبدو غاضباً محتداً متهماً إياه بتضييع الوقت و أن في الحياة أولويات .
فقط ست دقائق سنوياً متوسط القراءة للفرد في عالمنا العربي ، نعم نحن نعاني أزمة قراءة ، و بين فواتير الكهرباء و المياه و البقال لا مكان بينها لثمن كتاب ، و في أمة اقرأ يتراكم الغبار على رفوف المكتبات ، و اقتناء الكتب ترف و رفاهية للنخبة ، و عند تأسيس بيوتنا نهتم بأشد التفاصيل من أثاث و أجهزة كهربائية ، و لكن لا مكان لمكتبة متواضعة بين الأرائك و الكراسي و الطاولات ، فهل هي حقاً أزمة قراءة أم أزمة تنشئة على حب المطالعة.. أم هي نتاج أزمة مادية .. أو ربما كل هذه الأزمات معاً !؟..