لأنها تشكل في أحد أوجهها سفيراً فوق العادة يدخل إلى كل منزل في الوطن العربي، فعلى الرغم من كل العوائق التي حاولت فرملة مسيرة تطورها خاصة خلال الأعوام الأخيرة إلا أنها استطاعت أن تثبت حضورها على مختلف الشاشات العربية لأنها باتت مطلباً ملحاً لدى الجمهور من الصعب أن تغض المحطات الطرف عنه مهما حاولت تهميشها أو حصارها،
وقد سعت الدراما السورية عبر ما تم إنتاجه خلال عام 2014 إلى المحافظة على المكانة التي وصلت إليها، فقد عمد العديد من صناعها إلى إنجاز أعمال هامة وإن جاء ذلك على حساب تخفيض عدد المسلسلات المُنتجة، وحققت اختراقات هامة من خلال أعمال راهن أصحابها أنها ستكون في المقدمة خاصة تلك التي تناولت موضوعات حارة وآنية وانتصرت للإنسان وجاءت قريبة من نبض الشارع.
سمات عامة
كعادتها لجأت الدراما السورية خلال الموسم الأخير إلى التنوع الأمر الذي رفع من رصيدها وعزز من مكانتها، فهي لا تتقوقع ضمن إطار معين وإنما تبحث عن الجديد والمختلف دائماً، وإن غاب عنها المسلسل التاريخي وأعمال السيرة الذاتية، ولكن لا بد من الإشارة أن عدداً من الأعمال الجيدة والتنوع الذي نتحدث عنه لا يعني أنها كانت بخير، فمع حضور المسلسل الاجتماعي المعاصر والعمل البيئي الشامي وعدد من الأطباق الكوميدية المتنوعة التي تراوحت بين الكوميديا الشامية، وكوميديا المكان الواحد وتلك التي تعتمد اللوحات الناقدة الساخرة والمسلسلات الكوميدية متصلة الحلقات والأحداث، وبشكل عام كان هناك تفاوت صارخ في مجمل ما تم إنتاجه، حيث برزت أعمال لامست الهموم الآنية وتناولت موضوع الأزمة من عدة زوايا أبرزها إلقاء الضوء على تداعياتها وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على الناس والتحولات التي طرأت كنتيجة لها على العلاقات حتى داخل الأسرة الواحدة، كما برزت مجموعة من الأعمال الاجتماعية التي سعت إلى تناول موضوعات متعددة، منها الفساد والإرهاب والغوص في عوالم المهمشين والبسطاء، في حين سقطت بعض الأعمال التي اعتمدت على الكوميديا الساذجة وكان من أبرز سماتها الاستسهال والاسترخاص والارتجال ومحاولة استجداء الضحك، شأنها شأن بعض المسلسلات التي رأت ملاذها في الجرأة المفبركة والوقحة التي تبقى على السطح دون الولوج إلى العمق بهدف جذب الجمهور إليها.
الأفضل برأي الجمهور
ضمن هذا الاطار لا بد من التطرق للاستبيان الذي أجرته صحيفة الثورة بعد شهر رمضان المبارك حول الأعمال الدرامية التي عرضت خلاله، وقد شكّل مسباراً وقدم رؤى مفصلية مرتبطة بآلية الإنتاج مظهراً رغبة الجمهور في دراما تلامس واقعه وتغوص إلى عمق مشكلاته مؤكداً على وعي المشاهد لما يراه من أعمال، ومن أبرز ملامحه تراجع مسلسلات البيئة الشامية، فقد ذهبت بوصلة المشاهدة باتجاه العمل الذي وضع يده على الجرح بأسلوبه المتفرد محترماً عقل المتلقي، حيث أكد المشاهدون انحيازهم للمسلسل الذي يقدم مضموناً راقياً ويعالج مسألة هامة فأتى في المقام الأول لديهم الفكرة المطروحة وطريقة تناولها ومدى جرأتها، وبالتالي يفضلون العمل الذي يخاطب عقولهم ووجدانهم ويطرح قضاياهم، ومن أهم الملاحظات التي أتت على لسان المشاركين في الاستبيان أن الكثير من المسلسلات جسدت الراهن بكثير من الجرأة، كما أثبت الممثل السوري حرفية عالية في أداء، في حين عرضت أعمال مستفزة وتستخف بالمشاهد وقدمت صورة سيئة عن المرأة.
رؤية مستقبلية
الدراما السورية التي بُنيت حجر فوق آخر ووضعت لها أساسات قوية، ولم يبخل عليها المبدعون الرواد ومن أتى بعدهم بكل جهد حقيقي يمكن أن يُقدم لرفعتها، هي اليوم بحاجة إلى انطلاقة جديدة تنفض عنها ما علق بها من شوائب لتعود إلى سابق عهدها، وأقوى، ولعل كثيرين التقطوا هذه المؤشرات فبادروا إلى البدء بالتحضير للموسم الدرامي الجديد في عام 2015 بشكل مُبكر، حتى أن هناك مسلسلات انطلق تصويرها قبل شهر رمضان الماضي ومنها ما بات جاهزاً للعرض. ولعل من أبرز سمات ما تم الإعلان عن إنجازه حتى الآن اللجوء إلى الدراما المعاصرة التي تحاول الغوص في عمق تفاصيل وقضايا المجتمع السوري، إضافة إلى المسلسلات الشامية والكوميدية، وينتظر أن يُعلن عن أعمال أخرى لتكون الحصيلة متقدمة كمياً عما تم إنتاجه في العام الماضي، أملاً أن يتزاوج التقدم الكمي مع تقدم نوعي.
وفي محاولة لاختراق ما تعانيه الدراما اليوم من مصاعب، أتت ورشة (مستقبل الدراما السورية) التي أقيمت في العام الماضي برعاية وزارة الإعلام.